من أساليب بناء الرجولة: ضبط العادات، فالعادات تسيطر على صاحبها حتى لا يقوى على منعها، إن اعتياد المرء عادة قبيحة يحوله إلى أسير لها، لا يملك فكاكها، إنها تقعد به عن مصالح دينه وتعوقه عن مصالح دنياه، وكم رأينا من الشباب الذي يؤمل عليهم أهلهم وتؤمل عليهم مجتمعاتهم كم رأينا من هؤلاء من قعد به كسله أو اعتياده على نمط في الحياة فعاقه ذلك عن أن يحصل علماً ينفعه في دينه ودنياه أو يكسب قوتاً يحميه من تكفف الناس والتطلع إلى ما في أيديهم، وحري بالمربين الغيورين على أولادهم أن ينشئوهم منذ الصغر وطراوة النفوس على التخلي عن العادة والبعد عن الاستسلام لها حتى لا تتحول إلى سيد يسترق صاحبه.
ومن ذلك: الاعتناء بمعادن الناس، (الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) والذين يسودون في حياة الضلال يسودون حين يمن الله عليهم بالهداية، فحري بالمصلحين أن يعنوا بدعوة من تعلو لديه صفات الرجولة وتسود عنده سمات الأكارم، فحين يهتدي هؤلاء يؤدون ما لا يؤديه غيرهم.
ومن ذلك: ترشيد الرجولة من الرجال من يملك مواهب وطاقات لكنها صرفت في السوء والفساد، فحري ببناة الرجولة في المجتمع أن يسعوا إلى ترشيد رجولة هؤلاء، وقد كان للسلف رضوان الله عليهم جهد في ذلك، فهاهو زاذان أبو عمر الكندي الضرير أحد العلماء الكبار ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم روى عن عمر وعلي وغيره من الصحابة وكان ثقة صادقاً روى جماعة أحاديث، قال ابن عدي: تاب على يد ابن مسعود، قال حاكياً عن توبته رحمه الله: كنت غلاماً حسن الصوت جيد الضرب بالطنبور فكنت مع صاحب لي وعندنا نبيذ وأنا أغنيهم فمر ابن مسعود فدخل فضرب الباطية فبددها وكسر الطنبور ثم قال: لو كان ما يسمع من حسن صوتك يا غلام بالقرآن كنت أنت أنت، ثم مضى، فقلت لأصحابي: من هذا؟ قالوا: هذا ابن مسعود.
فألقى في نفسي التوبة، فسعيت أبكي وأخذت بثوبه فأقبل علي فاعتنقني وبكى وقال: مرحباً بمن أحبه الله، اجلس ثم دخل وأخرج لي تمراً، قال زبيد: رأيت زاذان يصلي كأنه جذع.
وكان أحدهم قاطع طريق يشغل الناس بالنهب والسلب، وكان بطلاً شجاعاً يقول لمن سيتولون دفنه: وخطّا بأطراف الأسنة مضجعي وردا على عيني فضل ردائيا خذاني فجراني ببردي إليكما فقد كنت قبل اليوم صعباً قياديا وقد كنت عطافاً إذا الخيل أقبلت سريعاً إلى الهيجا إلى من دعانيا ولا تحسداني بارك الله فيكما من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا وبينما هو في غيه وعدوانه لقيه أحد قادة المسلمين فدعاه إلى التوبة وأن يصحبه إلى الجهاد فأعلن الرجل توبته وسار إلى الجهاد ولدغ في الطريق وقال مرثيته البليغة وفيها: ألم ترني بعت الضلالة بالهدى وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا إنه مالك بن الريب رحمه الله وتقبله في الشهداء.
إن أولئك الذين يسعون إلى تحويل طائفة من أئمة الطيش والسفه وممن أقلقوا البلاد والعباد إلى جند للرحمن وهداة لطريق الإيمان سيقدمون خيراً للمسلمين ويكفون عنهم شراً مستطيراً.
إنها جهود تقود الأمة إلى الخير وتلحقهم بقافلته قبل أن يهووا إلى الحضيض.