رابعاً: من مجالات الدعوة الصامتة كظم الغيظ، والتنازل عن الحظوظ والحقوق الشخصية، يقول تبارك وتعالى:{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت:٣٤]، ويقول تبارك وتعالى:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}[المؤمنون:٩٦]، ويقول تبارك وتعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[الشورى:٣٩ - ٤٠]، ثم يقول تبارك وتعالى بعد ذلك:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[الشورى:٤٣]، ويقول تبارك وتعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:١٣٣]، ثم يقول تبارك وتعالى في أوصافهم:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}[آل عمران:١٣٤].
حين يعرف الناس عنا أنا نتنازل عن حقوقنا الشخصية، حين يعرف الناس عنا أنا نعفو عمن ظلمنا، بل ونحسن إليه، فلا شك أن الناس سيعرفون منا حسن الخلق، وسيعرفون منا أخلاق الأنبياء، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم أخاً كريماً حين فتح صلى الله عليه وسلم مكة وتمكن من أعدائه الذين فعلوا ما فعلوا معه صلى الله عليه وسلم، وآذوه وأخرجوه، وفي الوقت الذي ظنوا أن هذا الموقف سيكون فيه حتفهم أطلقهم صلى الله عليه وسلم وعفا عنهم، فكان ذلك من أعظم الأسباب في دخول أولئك في دين الله أفواجاً؛ لأنهم عرفوا منه صلى الله عليه وسلم الصدق والأمانة والعفو والإحسان قبل أن ينبأ، وعرفوا منه ذلك بعد أن نبئ وأرسل، وعرفوا منه ذلك بعد أن عادوه وآذوه وفعلوا ما فعلوا معه صلى الله عليه وسلم، وها هو أحد أصحابه صلى الله عليه وسلم يقول:(كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء آذاه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).