أن نكون مثاليين، فنطلب من أنفسنا أو من أبنائنا أو بناتنا، أو مجتمعاتنا، أو جيل الصحوة صورة مثالية، ثم نحاسبهم عليها، فالأم -مثلاً- كثيراً ما تعاتب أطفالها، وربما تعاقبهم على أخطاء لا بد أن يقع فيها الطفل ما دام طفلاً، فحين يأتي الطفل ويعبث ببعض أثاث المنزل، أو يعمد إلى آنية فيكسرها، أو يسيء إلى أحد إخوانه الصغار تعاتبه الأم وتعاقبه، وربما كانت العقوبة شديدة.
وهي تطلب منه أن يكون منضبطاً مثالياً، فلا يسيء إلى إخوانه الصغار، ولا يعبث بالتراب، ولا يعبث بالأثاث، ولا يرفع صوته، ولا يبكي، ولا إلى آخر هذه القائمة.
ولو راجعنا تعاملنا مع أبنائنا الصغار؛ لرأينا أننا مثاليون كثيراً، فنطلب منهم صورة مثالية لا يمكن أن يصلوا إليها، وبناءً على هذه الصورة التي نرسمها نحاسبهم عليها، فنحن نرسم صورة نريد أن يصلوا إليها، وحين يتخلفوا عن هذه الصورة، نرى أنهم قد وقعوا في الخطأ، وقل مثل ذلك مثلاً في الدعاة إلى الله عز وجل، وطلبة العلم، والشباب الأخيار، فالمجتمع وغيره ممن ينظر إليهم يطلب منهم صورة مثالية، وأقول بكل ثقة: إننا كثيراً ما نطلب منهم أن يكونوا معصومين، فنطالب منهم التجرد عن ذواتهم، والارتفاع عن كل ما يقع فيه البشر، وحين نرسم صورة مثالية للداعية أو لطالب العلم فهي صورة نظرية بعيدة عن الواقع الذي نعيشه، وبعيدة عن الواقع البشري، لكننا نحاسبهم عليها، ويترتب على هذا أن نعتبر من الأخطاء ما ليس كذلك.
وقل مثل ذلك مثلاً في الطالب: فالأستاذ قد يرسم صورة مثالية للطالب فيرى أنه ذاك الطالب الذي يلتزم بالأدب التام، فلا يسيء الأدب مع أستاذه في استئذانه وحديثه، ولا يسيء الأدب مع زملائه، ولا يمكن أن يتأخر عن أداء الواجب يوماً من الأيام، ولا بد أن يفهم ما يلقى عليه فهماً سليماً، ولا يسوغ له أن ينشغل عن الدرس، ولا أن يلهو ولا أن يتأخر عن الحضور إلى الفصل، ولا أن يغيب، ولا أن يمرض، ولا أن تصيبه عوارض، فيرسم هذه الصورة ويحاسب تلميذه بناءً عليها، ويطلب من التلميذ أن يعيش في جو مثالي، والأستاذ نفسه حين كان تلميذاً لم يصل إلى جزء مما يطالب تلامذته أن يصلوا إليه، وحين يكون الأستاذ والمربي واقعياً في التعامل مع من يربيه، فهو حينئذ لا بد أن يأخذ في الذهن أنه يتعامل مع بشر تأخذه عوارض النقص والغفلة والنسيان والهوى إلى غير ذلك، فحينئذٍ يضع الأخطاء في إطارها الطبيعي وحجمها المعقول.