عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم
أيضاً الأحداث السيئة في ظاهرها قد تكون خيراً، قد يكون حدثاً لا يرى منه الناس إلا الوجه السيئ، فيصبح خيراً والناس لا يعلمون، والله تبارك وتعالى يقول: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:١٩].
ودعوني أضرب على ذلك مثالاً أو أمثلة: في قصة الإفك حين قذفت عائشة رضي الله عنها بالزنا، واتهمت بذلك، هل كان يدور في بالها حين سمعت هذه المقولة أن هذا الحدث سيكون خيراً لها؟ أو هل كان يدور في ذهن أحد ممن عاش الحدث ذاك الوقت أن هذا خير لها؟ ثم نزل قول الله تبارك وتعالى: {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور:١١].
وفعلاً حصل هذا الأمر، فبرأها الله عز وجل من فوق سبع سماوات، وهي كانت تقول: كان شأني في نفسي أحقر من أن ينزل الله في قرآناً يتلى.
وكان غاية ما تؤمله رضي الله عنها أن يري الله نبيه رؤيا يبرئها فيها.
إذا: هذه الحادثة التي كانت تظنها شراً صارت خيراً لها، ومثل ذلك ما حصل لمريم حين حملت بعيسى، حتى تمنت أنها لم تولد قبل هذا الموطن فكان خيراً لها، وحملت بنبي من أولي العزم من الرسل.
وفي حادثة الهجرة أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالأسباب المادية، واختبأ وصاحبه في الغار، ثم انصرفا، فجاء رجل يتحدث وسراقة مع طائفة من قومه، فقال: رأيت هاهنا سواداً أظنه محمداً وصاحبه، ففطن سراقة لذلك وعلم أنه قوام النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إنه فلان وفلان، يريد أن يصرف الناس عن ذلك، وأمر أهله أن يجهزوا فرسه من خلف الدار وانصرف، وركب فرسه، ثم لحق النبي صلى الله عليه وسلم، حتى اقترب، فقال أبو بكر رضي الله عنه: هذا سراقة قد رهقنا.
فحصل ما حصل، وخارت قوائم فرسه، والقصة معروفة.
الشاهد أن الذي يقرأ الحدث الآن ويعيشه يفترض محمداً صلى الله عليه وسلم وصاحبه رجلين أعزلين من السلاح، خرجا فراراً من قومهما، وقد جعل قومهما لمن يأتي بأحد هذين الرجلين حياً أو ميتاً جائزة عظيمة، وهذا الرجل على وشك أن يظفر بها.
والمتبادر إلى الذهن أنه خطر محقق، ولهذا أصاب أبا بكر رضي الله عنه القلق والخوف على النبي صلى الله عليه وسلم وحق له ذلك، أما النبي صلى الله عليه وسلم فكان ينظر بنور الله، والنبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنه أعلى منزلة من أبي بكر رضي الله عنه، فخارت قوائم فرس سراقة، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لم ييئس مرة ثانية وثالثة، حتى عرف سراقة أنه ممنوع.
فلما انصرف سراقة كان كل من لقيه يقول: قد كفيتم ما هاهنا، فأي إنسان يرى سراقة قد جاء من هذا المكان ولم يجد أحداً يعلم أن هذا المكان لا يمكن أن يجد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه.
فانظر كيف تحولت الصورة وانقلبت، ولهذا قال الراوي: فكان في أول النهار طالباً لهما، وفي آخر النهار صاداً عنهما، يعني: هذا الحدث الذي يبدو في أوله حدثاً سيئاً لا يتمنى أن يحصل صار فيه الخير، فصار سراقة هو الذي يصد الناس عنهما.
إذاً: أيها الإخوة! الأحداث التي تحصل قد يكون ظاهرها سيئاً، بل قد يكون فيها سوء، لكنها تنقلب بعد ذلك إلى خير، تنقلب إلى صلاح، مثلاً: بعض الناس قد يكون مسلماً مقصراً مفرطاً، لكن على الأقل محافظ على العبادات الظاهرة، ثم يهوي ويقع في معصية أو كبيرة من الكبائر، لا شك أن هذا شر للإنسان، لكن وقوعه في هذه المعصية قد يكون سبباً في توبته، وإذا تاب تغيرت حاله، وصار على حال الصالحين المتقين، فصار وقوعه في هذا الذنب خيراً له، فقد وقع في هذا الذنب فتاب منه، فقبل الله عز وجل توبته، وتغيرت حاله من فساد إلى صلاح.
الشاهد والخلاصة: أن الأحداث السيئة قد تكون خيراً، والمتفائلون هم أولئك الذين يبحثون في الأحداث عن البشائر والمبشرات، ليسوا هم أولئك الذين يسيطر عليهم اليأس والقنوط، حينما نأتي رجلان إلى قرية فيها فقر مدقع وجهل وتخلف، ويأتينا رجلان رجل متشائم ورجل متفائل، فالرجل المتشائم كل ما يراه في هذه القرية يزيده إحباطاً، يشعر أن الأمية منتشرة فيها، فمستوى التعليم فيها لا يشجع، فيها فقر، ليس فيها بنية اقتصادية، ليس فيها طرق، ليس فيها إمكانات، ليس فيها بيئة يمكن أن تهيئ استثمارات تحرك النشاط الاقتصادي في البلد، الناس يعانون من بطالة، يعانون من أمراض، هذه نظرة، فكل ما يراه في البلد يؤيد عنده هذه الحقيقة.
يأتينا شخص آخر متفائل فيرى أن هذه القرية تعيش في وضع سيئ، لكن هو يتلمس الجوانب التي يمكن أن ننطلق منها، يقول: البلد فيها بطالة، لكن هذه البطالة يمكن أن أستفيد منها، يمكن أن نشغل هؤلاء ولو بأجور محدودة، وهؤلاء يمكن أن يكونوا نواة لإقامة مشروعات يمكن أن تحيي البلد مثلاً، يمكن أن يكون فيها بيئة جيدة للتعليم.
المهم أن الموقف الواحد ينظر إل