[أمور يخل بها كثير من الدعاة]
خامساً: وأخيراً وهي من الأمور المهمة والتي يخل بها الكثير من المنتسبين لجيل الصحوة، ونحن لا شك نحسن الظن أن الخطأ يقع فيها من باب الاجتهاد، والكلام هنا عن باب الورع في المسائل الدعوية والأمور الدعوية، ولنأخذ على ذلك مثالين مما يتسع لهما هذا الوقت.
الأمر الأول: في الميادين التربوية.
كثيراً ما نقع في مخالفات شرعية ظاهرة واضحة، وكثيراً ما ننسى الضوابط الشرعية المهمة لمثل هذه الميادين، ونتصور مثلاً أن المربي أو الأستاذ أو الداعية ينبغي أن يعلم وينبغي وينبغي إلى آخره، ونعطيه صلاحيات واسعة تتيح له تجاوز كثير من الضوابط الشرعية.
فالأصل أن أعراض الناس محفوظة، فلا يجوز الحديث عن أعراض الناس ولا ذمهم ولا غيبتهم، وحين تأتي حاجة تبيح ذلك فإنها ينبغي أن تكون محصورة ضمن هذه الدائرة.
فأحياناً يغفل المرء عن هذا الأمر فيتوسع في مثل هذه الميادين، وتتحول الحاجة إلى قاعدة عامة، وينسى أن أعراض المسلمين أعراض محفوظة لها حرمتها.
ومن هؤلاء من يتربون على يديه، فليعلم أن أعراضهم محفوظة، وأنه ينبغي أن يحفظ أعراضهم، وأن يحفظ حقوقهم، وأنه لا يجوز أن يتحدث في أعراضهم إلا حين تكون هناك مصلحة شرعية ظاهرة تبيح له ذلك، وما سوى ذلك فالأصل أن يحفظ أعراضهم.
والأصل أن ذلك داخل تحت قول الله سبحانه وتعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات:١٢].
والتطلع على دقائق أمور الناس وخفاياهم أمر حرمه الله عز وجل، فقال: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات:١٢].
ونهانا أن نتطلع إلى دواخل الناس، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه مأمور بأن يعامل الناس على ظاهرهم، قال: (إني لم أومر أن أنقب عن بطون الناس).
وتوعد صلى الله عليه وسلم من يتتبع عورات الناس أن يتتبع الله عورته ويفضحه ولو في جوف بيته، فقال: (من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته، حتى يفضحه الله ولو في جوف بيته).
وهذا نص عام يخاطب كل الناس، يخاطب فيه الطالب والأستاذ والمربي والصغير والكبير، وكون الإنسان يتولى أمراً أو مسئولية لا يعفيه إطلاقاً من النصوص الشرعية، ولا يجيز له أبداً أن يعمل بقانون الطوارئ كما يقال، فيرى أن توليه لهذه المسئولية أو تلك يبيح له تسلق هذه الأسوار وتجاوز هذه الحدود، فهي حدود الله فلا يجوز أن يتعداها.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد أشار إلى هذا المعنى في نهيه صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل المسافر أهله ليلاً، قال: (لئلا يتخونهم يطلب عثراتهم).
يعني أن الرجل حينما يكون مسافراً فأحياناً قد يفكر أن يأتي لأهله فجأة حتى يكتشف حالهم، ويكتشف أنه لا يكون عندهم مشكلة أو معصية، أو ألا تدخل زوجه أحداً غريباً في البيت، فينهى صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا النوع، وينهى عن طلب العثرات وعن تخون الناس، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في ريبة، والغيرة التي يبغضها الله الغيرة في غير ريبة).
فالتطلع على دقائق أحوال هؤلاء لا ينبغي ولا يسوغ، بل لا يجوز، وهذا من باب التطلع على عورات الناس.
وينبغي أن نراجع أنفسنا كثيراً في أعمالنا الدعوية، وفي جهودنا ووسائلنا وبرامجنا، هل هي تنضبط بالضوابط الشرعية أم لا؟ ويجب أن نعرف أن كون الإنسان داعية أو مربياً، وكون الإنسان مصلحاً لا يمكن أبداً أن يعفيه من نصوص الشريعة، وأن شأنه شأن سائر الناس، مخاطب بالنهي عن غيبة المسلمين، مخاطب بالنهي عن احتقارهم، مخاطب بالنهي عن التطلع على أسرارهم، وعما وراء ذلك مما قد يظن أن في هذا الأمر مصلحة شرعية، ولو كان به مصلحة لأجاز النبي صلى الله عليه وسلم للزوج أن يتطلع على زوجته.
ولو كان فيه مصلحة لاستجازه صلى الله عليه وسلم، وقد نهى صلى الله عليه وسلم من يخبره عن أصحابه، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما أحب أن يبلغني أحد عن أحد شيئا).
كان إذا أتاه أحد من أصحابه يخبره عن بعض أصحابه لا يرضى صلى الله عليه وسلم فنهى أن يخبر أحد عما في نفوس أصحابه، مع أنه قد يقال: إن المصلحة أن يعرف دقائق أمور أصحابه، حتى يصلحهم أو حتى يدعوهم، لكن المسلم والداعية شأنه شأن غيره يتعامل مع الظاهر، والغالب أن الظاهر مرآة للباطن، وأن ما يخفيه الإنسان لا بد أن يظهر على جوارحه، ولهذا لا يجوز له أن يتطلع ويبحث عما وراء ذلك.
وقد أشرت إلى أمثلة ونماذج؛ لكن عموماً يجب أن لا يفارقنا الورع في أمورنا التربوية وأمورنا الدعوية، وأن نحسب ألف حساب لعملنا، وأن نشعر أن هذا عمل صالح نتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى فيجب أن ينضبط بالضوابط الشرعية، وأننا مخاطبون كسائر الناس بالآداب الشرعية، وكون هذا العمل عمل دعوة وتربية وعمل إصلاح لا يعفي بحال من الالتزام بالضوابط والنصوص.
وقل مثل ذلك في الأعمال والبرامج الد