للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجُند لامة الحرب، واستمرت الحركة موجودة في الناس الليل (١) كلّه. وورد على الرملة ليلًا كثيرٌ من الجند ممن يجيء ويذهب وهم باللبوس والعُدَد الكاملة سربًا سربًا، وأفواجًا أفواجًا يتوقّعون الأخبار، وهم لا يشكّون في موت السلطان. واحترز الكثير من الناس على أنفسهم في تلك الليلة، وأُغلقت أكثر الحوانيت من المغرب. ونقل جماعة من الناس أمتعتهم من الدُّور، لا سيما الدُّور التي بسور الميدان، وكانت ليلة نكرة، ثم كان ما سنذكره (٢).

(دقّ البشائر وإشاعة عافية السلطان) (٣)

وفيه، في صبيحة هذه الليلة، وهي صبيحة يوم الأحد، رابعه، أصبح الناس، وقد أشيع الخبر بأن السلطان في قيد الحياة، ونودي في الحال بالأمان والإطمئنان والبيع والشراء، ودُقت البشائر بالقلعة، وأشاعوا عافية السلطان وسلامته. كل ذلك تورية وإسكانًا للفِتن وثَوَران حركته، وأكثر ذلك برأي خيربك الدوادار الثاني مملوك السلطان وخصّيصه هذا، والسلطان مُنحَطّ في مرضه انحطاطًا يؤذن بموته، بل ظهرت أمارات ذلك عليه، حتى له هو، وبقي في حيرة ووَهج وقلق وأفكار رديّة، لزوال ملكه ومفارقة الدنيا، وذلك بدليل عدم اعتنائه بشأن أمور آخرته، والوصيّة بشيء مما يتعلّق بذلك. فلا حول ولا قوّة إلّا بالله. ولم تزل البشائر تُدقّ في أول النهار وآخره عذة أيام، وحصل للناس بذلك بعض طمأنينة، وكان ذلك مما لا بأس به من الرأي، مع أن السلطان مع ذلك كله في حيّز العدم والموت (٤).

[حثّ الأمراء على السفر]

وفيه، في آخر هذا اليوم في آخره، نزل تنِبك الأشرفي المعلّم الرأس نوبة الثاني إلى قَرَقْماس الجَلَب على لسان السلطان، وهو يأمره بالخروج للسفر، ويستحثّه على ذلك، وأنه يخرج من ساعته هذه بعد أن ذكر له تغيُّظ السلطان عليه، وبلغه عنه كلام (٥) لا خير فيه، وفيه فحش، فما أمكنه أن خرج من وقته وساعته، ثم تبعه يشبُك الفقيه الدوادار، وتبعهما من بقي ممن عيّن من الأمراء العشرات الماضي ذكرهم، وأُحضرت إليهم المراكب بالساحل، وكانوا عزموا على السفر في


(١) في الأصل: "اليل".
(٢) خبر الإرجاف في: نيل الأمل ٦/ ٢٧٦، ٢٧٧.
(٣) العنوان من الهامش.
(٤) خبر دق البشائر في: نيل الأمل ٦/ ٢٧٦.
(٥) في الأصل: "كلها".

<<  <  ج: ص:  >  >>