للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سوار، فقال الخليفة والقضاة: ليس في سفر السلطان بنفسه فائدة في هذه الكائنة ولا مصلحة للمسلمين، بل الأَوْلَى تجهيز العساكر. فأخذ السلطان في الاعتذار بقلّة المال، وكان ذلك براعة الاستهلال لمقصده، حتى وقع بعده ما ذكرناه.

ثم لما انفضّ هذا المجلس من الخليفة والقضاة والمشايخ، أخذ السلطان في الكلام مع الأمراء في أمر التجريدة، وذكر لهم أيضًا بأنه يريد السفر بنفسه، وطال الكلام في ذلك أيضًا. ثم نودي بالحوش السلطاني بأن العرض في يوم السبت، وأنه من تعيّن في ذلك اليوم للسفر فليكن على أُهبة. ثم قام السلطان فدخل إلى الدُهيشة وهو مُظْهر ومصمّم على ما عزم عليه وقصده من أخذه أموال الناس، لشرهه في ذلك، لكنّه بقي في حيرةٍ في أمر الفقهاء، وفكّر في كيفية ذلك، وما هو السبيل والمندوحة إليه، ولو كان ذلك بأدنى مناسبة وملابسة، حتى لا يشاع عنه مخالفة العلماء في ذلك (١).

(أخْذ الملك الظاهر تمربُغا بثغر دمياط) (٢)

وبينا هو في تحيّر هذا الافتكار قبل أن يستقر به الجلوس، وقبل نزول كاتب السر إلى منزله، دهمه الخبر، وهو أدهى وأمرّ بأمرٍ اتفق أشغله اللَّه تعالى به وبنفسه عن قصده، بأنْ ورد إليه الخبر من يشبُك من مهدي الدوادار الكبير، وكان قد خرج قبل ذلك من القاهرة متوجّهًا إلى بلاد الشرقية، بسبب محمد بن عجلان (٣)، شيخ العربان بها، وبسبب عيسى بن سيف (٤)، وأنه وقع له معهما أمور، وأنهما انهزما منه بمن معهما من عربانهما، وتوجّها إلى ثغر دمياط، وأخذا منها الملك الظاهر تمربُغا، وحضرا به إلى جهة الصالحية، وما عليه مقصدهم و إلى أين مسيرهم، ولا ما المراد بذلك. فانزعج السلطان لهذا الخبر غاية الانزعاج، واشتدّ عليه الأمر، وعظُمت المصيبة، وترادفت البليّة، وتصاعدت القضية، ولعلّ ذلك لشؤم مقصده، وسوء ما دبّره من أخذ أموال المسلمين، ومع ذلك فلا معتبر ولا مذكّر، على أنه نسي ما كان فيه من التدبير، وأخذ في الانتقال لتدبير آخر أهم


(١) خبر عقد المجلس في: نيل الأمل ٦/ ٣٢٨، وبدائع الزهور ٣/ ١٣ - ١٥.
(٢) العنوان من الهامش.
(٣) مات (محمد بن عجلان) في سنة ٨٨٦ هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع ٨/ ١٥١ رقم ٣٥٦ وفيه: مات ظنًا في أول سنة ٨٨٨ أو أواخر التي قبلها، ونيل الأمل ٧/ ٣٠٧ رقم ٣١٩٧، وبدائع الزهور ٣/ ١٩١.
(٤) لم أجد له ترجمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>