للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأمير شاهين هذا إلى القاهرة برسم الاستعفاء من الأعمال المنفلوطية، فيوم دخوله إلى القاهرة طلع إلى السلطان لأجل ذلك وقبل أن يشرع فيه حين وقع بصر السلطان عليه أمره أن يتوجّه مع الشهاب أحمد ابن أستاذه المذكور مدبّرًا لأمره في طريقه، ناظرًا عليه لسياسته وعدله وجَودة تدبيره، فخرج إلى الحج، ولم يكن ذلك بباله ولا توهّمه، وحداه بُعيد موته الإستعفاء من السلطان، وتعجّب من ذلك غاية التعجّب، لكونه كان بينه وبين القاهرة عدّة أيام، وقد أزف رحيل الحاج، وقدم هو ليستعفي مما هو فيه، فلم يلبث أنْ سهّل اللَّه تعالى عليه الحج من غير تكلّف، ولا أخذ في أسباب التجهّز، ثم خرج من غير تكلّف، بل وجد جميع ما يحتاج إليه حاضرًا، وعُدّت هذه من نوادر الألطاف الخفيّة وغريب القضايا. وحجّ حجّة هنيّة، وكان هو أمير الركب في الحقيقة. ولما عاد أقام بالقاهرة على إمرته، وزاده السلطان شيئًا، أو غيّر إقطاعه قبل ذلك لِما هو أجوَد من الأول، ثم جعله بعد ذلك شادًّا على بعض عمايره، فباشر ذلك أحسن مباشرة، من غير أن يشقّ على العمال، وأعمر أماكن هائلة بالبندقانيّين جيّدة أنيقة.

وهو من أهل الفضل والدين والخير، وله مشاركة حسنة في فنون، مع جودة فهم وتيقّظ ونباهة، واستحضار لكثير من المسائل الفقهية والحديثية وغير ذلك. وسمع الحديث على الفخر الديمي وغيره، (وسمعه) (١) بمكة أيضًا، كل ذلك مع الدين المتين والخير والعبادة، وملازمة نوافل الطاعات، وتلاوة القرآن، ومحبّة أهل العلم والفضائل والطلبة والفقهاء والفقراء وأهل الخير والصلاح، مع ما هو عليه من الشجاعة والفروسية والتواضع الزائد، والتجمّل في شؤونه (٢)، زاده اللَّه تعالى من فضله، وكثّر في أمراء المسلمين من مثله.

[ترجمة أبي الفتح والد يوسف بن تغري بردي المؤرّخ]

٣٧٧ - وأمّا أبو الفتح المذكور فهو أيضًا موجود في زمننا هذا، وهو والد الجمال يوسف (٣) كاتب المماليك الآن.


(١) مكرّرة في الأصل.
(٢) في الأصل: "شونه".
(٣) هو تغري بردي الكمشبُغاوي الرومي والد المؤرّخ. مات في سنة ٨١٥ هـ. انظر عنه في: السلوك ج ٤ ق ١/ ٢١٠، وإنباء الغمر ٢/ ٥٢٦ رقم ٩، وعقد الجمان ٩٩، والنجوم الزاهرة ١٤/ ١١٥ - ١١٨، والمنهل الصافي ٤/ ٣١ - ٤٣ رقم ٧٦٠، والدليل الشافي ١/ ٢١٥، ٢١٦ رقم ٧٥٨، ومورد اللطافة ١٠٤، والضوء اللامع ٣/ ٢٧ رقم ١٣٢، ووجيز الكلام ٢/ ٤٢٧ رقم ٩٥٦، والذيل التام ١/ ٤٨٠، ونزهة النفوس ٢/ ٣٢٠، ٣٢١ رقم ٥٠٦، ونيل الأمل ٣/ ٢٣٠ رقم ١٢٨٢، وبدائع الزهور ج ١ ق ٢/ ٨١٨، وشذرات الذهب ٧/ ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>