للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فما كفاه ذلك حتى قال: وليس هو في أصل نظمه كما قلت أنت هاهنا، وإنّما أصله:

بما يشتهي السَفِنُ

بإضافة الشهوة إلى السَفِن، ففتح السين وكسر الفاء، وهو راكب السفينة، وليس تشتهي السُفُن كما قلتَ أنت فما يجوز، وقد غلط العوامّ في هذا البيت، وأنت وغيرُك تبِعَهم في هذا الغلط.

فقلت له: الغلط هو ما تقوله أنت.

فتغيّظ من ذلك واستشاط، ثم قال: كيف يصحّ الذي تقوله أنت؟

فقلت له: لا أجيبك عن ذلك فإنّك لا تؤهَّل لذلك وتتعلَّم ما لست له بأهل.

فانظر يا أخي إلى هذا الغرّ والغَيّ المدّعي العلم بل والأدب الذي لا يعرف التكلّم كما عرفته من لفظه الذي حكيناه عنه في إضافة الشهوة إلى السفن، فلا يفرّق بين الإضافة والإسناد، ولا يصل إلى عقله إسناد الفعل إلى غير الفاعل، وأنه جائز، وهو أبلغ من الآخر، على تقدير وجود الذي قاله على أنه لا وجود له، فإنه لم يسمع في اللغة أن يقال لراكب السفينة سفن. لكنّني حين لم أُجِبْه بقي يتملّق لي بأخرة في الجواب، لا على باب أنه جائز، بل على باب أنه يرد ما يُجاب به، فإنه جزم أن ذلك غير جائز. فلما لم أُجِبْه استشعرت منه فهْم الدفع للسكات فقط، وأنه لا وجه لِما قلته حيث استبعد ذلك، فأوردت عليه قوله تعالى: {وَاسْأَلِ (١) الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] حتى يعرف حقيقة (٢) ما قلته، ويعرف أنه لا بدّ من الجواب عمّا قاله، وأنّني غير مُفيده إيّاه. فقلت له: ما تفعل بهذه الآية، وهي كلام اللَّه تعالى؟

فبُهت، ثم كان ذلك سبباً لتفحّصه عن ذلك، حتى بلغني أنه سأل بعض أهل العلم في ذلك حتى عرف حقيّة ما قلته.

فنعوذ باللَّه من جهلٍ يُفْضي بصاحبه إلى هذه الرتبة. على أنّ هذا المسكين ممن يعتقد نفسه اعتقاداً زائداً، وأنه هو هو، ومن العجب أن كثيرا ممّن يدّعي الفضل والعلم والرياسة من أبناء زماننا هذا يعتقد في هذا بأنه ممن له فضل وعلم فوق الحدّ.

[[سقوط قنطرة باب البحر]]

وفيه في ليلة الخميس رابع عشرينه، سقطت قنطرة باب البحر خارج القاهرة، ومات جماعة ممّن كان عليها (٣).


(١) في الأصل: "واسئل".
(٢) في الأصل: "حقية".
(٣) خبر القنطرة في: السلوك ج ٤ ق ٣/ ١٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>