للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شأنهم أنهم لما انحدروا من ساحل بولاق في اليوم الذي قدّمنا ذِكره وصلوا بعد ذلك إلى ثغر دمياط، ثم ركبوا البحر الملح إلى قبرس، فجهّز لهم متملّكها الإقامات وما يليق بهم، ثم توجّهوا إلى العلايا، فأمدّهم صاحبها، وهو من ذريّة السلطان علاء الدين السلجوقي، أمدّهم بغرابين شُحِنا بالمقاتلة، فساروا إلى أن نزلوا على رودس وقد استعدّ من فيها من الفرنج لقتالهم، فراسلوا صاحب رودِس بمكاتبة من السلطان، فورد عليهم من أنذرهم بالتنبيه بهم من الفرنج، فأقلعوا من (١) الساحل، وإذا بالفرنج وقد أحاطوا بهم في أثناء ذلك، فوقعت بينهم محاربة قُتل فيها من العسكر الإسلامي أثنا (٢) عشر رجلاً، وجُرح جماعة عدّة، وكذلك من العدوّ، ودام القتال إلى الليل، فاتفق أن هبّت في تلك الليلة ريح شديدة وأمطرت فأفرج عنهم بذلك، فساروا ومرّوا في سيرهم على بعض قرى سواحل البلد، فرأوا في طريقهم معصرة لقصب السُّكَّر فطرقوها ونزلوا عليها ونهبوا ما فيها، وأسروا من وجدوه من المزارعين الفرنج بها، وعادوا إلى ثغر دمياط ولم يحصل لهم ما خرجوا بسببه (٣). وللَّه الأمر يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد.

أقول: وهذه أول بعثة بعثها الظاهر للغَزاة في سلطنته، وتفاءل جماعة بأنه لا سعد للسلطان في الغزو كما كان للأشرف بَرْسْباي، وبلغه ذلك فتحرّك بسببه لغزو رودس وقصد أن يأخذها كما أخذ الأشرف قبرس، فما حصل مُراده ولا ما قصده. وكان ما يقال به النجّامة كما قيل، لكن للسلطان نيّته، فإنه اجتهد في ذلك غاية الاجتهاد ولم يحصل له ما أراد.

ما كلُّ ما يتمنّى المرءُ يُدركهُ … تجري الرياح بما لا تشتهي السُفُنُ

كنت حين وضعت هذا البيت بهذه المناسبة في أصل مسوَّدات هذا التعليق حضرني بعض من يدّير العلم والذوق ومعرفة الأدب والنَظْم، فبدرني بأن قال: هذا ليس من نظْمك.

فقلت له: أنا لم أدعّ أنه من نظمي فإنه أشهر من:

قِفا نبْك

ولم أذكره إلّا لمناسبة المقام إيّاه.


(١) في الأصل: "ما".
(٢) في الأصل: "اثني".
(٣) خبر الغزوة في: السلوك ج ٤ ق ٣/ ١٢١٠، والنجوم الزاهرة ١٥/ ٣٤٣، وإنباء الغمر ٤/ ١٥٨، وتاريخ طرابلس السياسي والحضاري (تأليفنا) ٢/ ١٨٣، ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>