للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإنه أُسر في أيديهم وله زيادة على الخمسة وعشرين (١) سنة، وكان أضرّ في ذلك. فتلطّف في قضيّته، وفديته بأربعين دينارًا من مالي، وأنزلته إلى البرّ فلازمني ولا زال في خدمتي عدّة سنين، وحصل لي به غاية النفع والرفق. وكان يحدّثني عن بلاد التتر والفرنج بأشياء كثيرة غريبة، ولا زال معي إلى أن وردت القاهرة فتوفي بها في طاعون سنة ثلاث وسبعين، وكان اسمه "مبارك"، وكان مباركًا عند اللَّه، خيّرًا، ديّنًا، سليم الباطن والفطرة، صادق اللهجة، فكه المحاضرة لا يُمَلّ منه، رحمه اللَّه تعالى.

[[قياس مياه النيل]]

وفيه كانت نهاية النيل ثمانية عشر ذراعًا وستة أصابع، ثم تناقص، ثم ثبت إلى آخر توت على ثمانية عشر ذراعًا إلّا نقص يسير.

[[زوال دولة بني أيوب من ديار بكر]]

وفيها- أعني هذه السنة- زالت دولة بني أيوب الأكراد الملوك الأيوبية عن مملكة الحصن وما والى ذلك من ديار بكر كأنها لم تكن، وتملّكها حسن بك بن قرايُلُك وأضافها إلى مملكته، وكان من بُعيد ذلك أنه لما قرّر الملك خلف على يد ولده، ثم ثار به بعض أقاربه فقتله وملك بعده لم تستقم أحواله ووقع الخُلف بينهم إلى أن بلغ حسن ذلك، وهو غرضُه، بل كان ذلك غرضًا لآبائه وجدوده من قبل على ما هو مشهور، بل وقد عرفت شيئًا من ذلك فيما تقدّم في ترجمة الكامل خليل وغيره، فورد حسن في غضون ذلك بالفرات ونزل على حصن كيفا، ولا زال محاصرًا لها، وأقام على حصارها سبعة أشهر حتى ملكها في ذي القعدة من هذه السنة، وانقطع ملك الأيوبية منها بعد أن كانت هذه المملكة بيديهم فوق المائتي سنة. وحصل لحسن بأخذ هذه المملكة غاية القوّة، وزادت شهرته وضخم جدًّا، فإنه لما أخذ الحصن أخذ الكثير من المدن والقلاع المتعلّقة به من أعمال ديار بكر. ولم يزل حسن هذا من ذلك اليوم في زيادة الظهور إلى أن كان منه ما سنذكره من تملّكه العراقين، وقصده بعد ذلك الروم، بل ونوى بعد ذلك قصْد البلاد الشامية بل والمصرية لأخْذها. وكان له من الأخيار والفِتن والشرور والأمور المطوّلة ما سيأتي كلٌّ في محلّه بعد السبعين وثمانمائة وهلُمّ جرًّا إلى أن توارث ذلك بنيه (٢) بعده إلى يومنا هذا.


(١) الصواب: "على الخمس والعشرين".
(٢) الصواب: "بنوه".

<<  <  ج: ص:  >  >>