للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تنقّل في خِدم عدّة من الأمراء إلى أن قدم (!) عن قرقماس الجَلَب، فلما قبض عليه من الصعيد بَطَل يوسف هذا وتعطّل لم يخدم، وهذا يدّعي التمسيح والمعرفة التامّة، وأنه من الأولياء، بل الواصلين إلى اللَّه تعالى، مع خُبث طبع ورداءة اعتقاد، وكثرة انتقاد على الناس أشياء لا تعنيه، والدعوى العريضة، والبأو الزائد، مع دناءة أصله وخموله وفقره وفاقته، وصار يدّعي أشياء كثيرة، من كونه عارفاً باللَّه، وبسائر المعارف الإلهية، بل والعلوم وسائر الفنون، ويدّعي أنه يعرف القراءات ومخارج الحروف، بحيث لا يدانيه في معرفة ذلك غيره، وليس عنده مما يدّعيه ولا أدنى جزئية، بل هو جاهل وضيع، غبيّ، كثير الوقيعة في العلماء وأهل الصلاح، مع إظهار الإستكانة والخنوع والخضوع، وإطالة السجود والركوع والتديّن والزُهد والورع الذي ما عنه مزيد والعفّة، كل ذلك شيطنة منه ورَوْكدة، وقد خدع الكثير من الأجلاب والمماليك، بل وغيرهم من الجهلة، وله أبحاث يخترعها للجهلة لا يعبأ اللَّه بها، يظنّها علماً، وهو عن العلم بمعزل، وعنده من الحِيَل والمكايد ما يعجز عنها مشارك. آل به الأمر أن تردّد إلى الخانقاه الشيخونية، وتحيّل في أن حصَّل له بها خلوةً سكنها، ثم تحيّل في أن رتّب له بها رغيفاً، وفرّقه على عيبة صوفتها، وهو مقيم بها الآن، يَغْترّ به من لا يعرف حاله، لحُسن سمْتٍ يُظهره، وجودة مجالسه، وغِنى وتواضع يُظهرهما، بل سمعت عنه أشياء، ورأيت من يدينه بعظائم تشينه في دينه.

وكان قد بلغني ما ذكرته من أنه وجد هذه الحصاة على ما ذكرناه، فسألته عن ذلك، فأجاب بأن ذلك حقيقة، وأنه وجدها في يوم موت شاهين غزالي وهي تمشي، فأخذها فإذا هي كلما وصفنا، ثم أحضرها لي لما خَلَوت بالخانقاه الشيخونية، في ثالث عشر شعبان سنة تسع وثمانين، وإذا هي مودعة بحُقِّ من نحاس مغطَّى (١) فأخرجها لي منه وأرانيها على الصفة المشروحة، وقدرة اللَّه تعالى صالحة لأعظم من هذا، لكن الظاهر، بل اليقين ما ذكرناه من كونه مفتعَلة، فإن الذي ذكر أنه وجدها صاحب مُحَالا [ت] وكثير من التُرَّهات، وهو من أبناء ما يزيد على الأربعين سنة. سامَحَنا اللَّه وإيّاه (٢).

(تعيين التجريدة الثانية لشاه سوار) (٣)

وفيه، في يوم السبت، خامس عشره، كان عرض الجُند بين يدي السلطان


(١) في الأصل: "مغطا".
(٢) النادرة الغريبة في: إنباء الهصر ٤٧، ٤٨، ونيل الأمل ٦/ ٣٥٩، وبدائع الزهور ٣/ ٢٦.
(٣) العنوان من الهامش.

<<  <  ج: ص:  >  >>