للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

له ولشأنه، وله ملازمة له، كل ذلك مع انقطاعه إلى اللَّه تعالى وعدم الالتفات إلى شيء من الدنيا، ولا يقبل شيئًا من بنيها، وهو على قدم الخير، نفع اللَّه تعالى به.

(ذِكر الكائنة التي خلع فيها تمربُغا الظاهر) (١)

وفيه -أعني يوم الأحد هذا، في آخر النهار منه- حضر الأتابك قايتباي من مربط جِماله، وكان ذلك في ليلة الموكب بالقصر السلطاني، ولم يطلع إلى القلعة، وبعث من يعتذر للسلطان بأنه جاء في غاية التعب، وأنه يلتمس الإذن له أن يُعفى عنه في هذه الليلة من الطلوع إلى القلعة، وفي باكر النهار يطلع، وما طلعها باكر النهار إلّا سلطانأ على ما سنذكر ذلك. وكان الجُلبان من الظاهرية الخشقدمية من حزب خيربك يظنّون طلوعه في هذه الليلة، وكانوا قد تمالؤوا (٢)، واتفقوا على الوثوب على السلطان ومن حضر معه من الأمراء في هذه الليلة، وأبرموا أن يفعلوا ذلك ويُمضوه، وتوافقوا على عدم تأخيره في هذه الليلة، لئلّا يفوت الخدم. فلما لم يطلع قايتباي، وكانوا قد تواصوا على تنفيذ ما دبّروه، ما أمكنهم تأخير ذلك ولا التراخي في الأمر الذي قد انبرم رأيهم عليه.

وحضر السلطان القصر على عادته مع كثرة الإشاعة، بل يكاد أن الفتنة قد تيقّنت، وتأخّر في هذه الليلة أيضًا جماعة كبيرة من مقدَّمين (٣) الالوف، ولم يطلع فيها سوى الأمير جانبك قلقسيز أمير سلاح، والشهابي أحمد بن العَيني أمير مجلس، وسودون القَصرُوي، وتنِبك الأشرفي المعلّم، وخُشكلدي البَيْسقي، وهو من الرؤوس (٤) في هذه الكائنة، ومن أعظم القائمين مع خيربك، والموافقين له، وكذلك مُغُلْباي الظاهري المعروف بأزُن سقل.

ولما صلّى السلطان المغرب بالقصر على عادته، قام فدخل الخرجة من القصر كما هي العادة، ومعه من حضر من الأمراء، فما استقر به الجلوس بها قليلًا إلّا والهرج والاضطراب خارج القصر، وسمع السلطان ذلك، فاستراب منه وانزعج انزعاجًا كليًّا، وسأل عن الخبر، فقيل له إن الجُلبان في هَرَج ومَرَج، وقد تعادى بعضهم مع البعض، فزاد تخيّل السلطان، ورابَه ذلك فوق ما قد رابه، وتوسّع خياله، فبعث بطلب خيربك الدوادار، فدخل عليه بالخرجة وهو متقلّق مُظهر بأن


= اليزلتيني -نسبة لقبيلة- التونسي، المغربي، ثم القاهري المالكي، ويعرف بابن زَغْدان - بمعجمتين أولاهما مفتوحة ثم مهملة، وآخره نون. مات سنة ٨٨٢ هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع ٧/ ٦٦، ٦٧ رقم ١٢٧.
(١) العنوان من الهامش.
(٢) في الأصل: "تمالوا".
(٣) الصواب: "من مقدَّمي".
(٤) في الأصل: "الروس".

<<  <  ج: ص:  >  >>