للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[[شهر ربيع الآخر]]

وفيها استهلّ ربيع الآخر بالجمعة بالرؤية، وطلع القضاة ومن له عادة في هذا الشهر في هذا اليوم لتهنئة السلطان بالشهر، وهو أول شهر هُنّيء به هذا السلطان.

(تقدمة النفقة السلطانية) (١)

وفيه في يوم السبت ثانيه، ابتدأ السلطان بالنفقة السلطانية على الجند والعسكر، وكانت هذه النفقة تقدمة على غير الوجه المستقيم، وعلى غير العدل والتسوية، ففُرقت على القويّ، ومن له جاهٌ أو شوكة، مائة دينار والشيخ المُسِنّ خمسون دارًا، وبعضهم خمسة وعشرون، ومن كان غائبًا قُطع أصلًا ورأسًا. وأمّا أولاد الناس والخدّام فلم يُلتفت إليهم، ولا أُعطوا شيئًا أصلًا، بل مُنعوا من ذلك. وكانت العادة جرت بالإنفاق عليهم من قديم الزمان، والظاهر يَلَباي هذا أول سلطان منع من الإنفاق عليهم، وكثُر الدعاء عليه بسبب ذلك، ولهجوا بزوال ملكه لقطْعه الرزق، على ما قاله العامّة، فكان كذلك، وزال على ما سيأتي ذلك. وقطع أيضًا نفقة الأمراء مقدَّمين (٢) الألوف التي جرت العادة بها إلّا من عُيّن للسفر. ثم تسلسل الأمر في تقدمة هذه النفقة في الأسبوع يومين (٣) السبت والثلاثاء، طبقة بعد طبقة، مع تراخ عظيم ومهلة زائدة حتى إنهم في بعض الأيام لم يُكملوا الطبقة مع تطاول الأيام.

وذكروا أن سبب ذلك قلّة الأموال بالخزائن السلطانية، وأنها لا تُوفي بالنفقة. وكان جميع ذلك عن رأي خيربك لضعف رأي السلطان، وغَلَبة الغير له على الأمر، فصار الناس يتشاءمون بأيامه، وكثُرت فيها الفِتَن والشرور، وعظُمت جدًّا، وقلّ الخير، وغلت الأسعار، وهو مع ذلك لا يأتي بشيء لأنه في قبضة الغير، حتى صارت العوام تقول (٤): ليته لا تسَلْطَن، فإنّ عدمه خير من وجوده، لضعف تدبيره، والحَجْر الكلّي عليه، وعِظم أمر الجُلبان. وعمّت المصيبة بهم، بل ربما فعل خيربك أشياء من غير إعلام السلام ولا عرضه عليه، وزادت فتنة الجُلبان وأذاهم فإنهم كانوا في أيام أستاذهم ربّما حسبوا حسابه فاختشوا شيئًا، وأمّا الآن فكانوا هم السلاطين، بل كانوا يصرّحون بالمنّة على السلطان وأنهم هم العالمون بأمره والمُسلطنين له. فانظر بعقلك ماذا يلزم على هذا من المفاسد، فكأنّ السلطان بهذه المقتضيات كلا شيء، ولا مهابة له ولا حُرمة في النفوس، لا سيما وقد لمزه


(١) العنوان من الهامش.
(٢) الصواب: "مقدَّمي".
(٣) الصواب:"يومي".
(٤) في الأصل:"يقول".

<<  <  ج: ص:  >  >>