اضطرارهم إليه وحضر بغير إذنٍ سلطاني، فخرج قايتباي من ليلته، وهي ليلة الثلاثاء متوجّهًا لِما هو بصدده، حتى وصل لثغر دمياط من غير ممانعة ولا مدافعة.
[[حكاية والد المؤلف عن إياس الطويل]]
حكى لي الوالد، رحمه اللَّه، عن إياس هذا، قال: من غريب ما وقع لي معه وأنا بطرابلس وهو على نيابتها أنني كنت معه في كلام يتعلّق بزوال النِعَم وتبدُّلها، فأخذ يعارضني فيما أنا فيه، فقلت له: أنت ما جرّبت الأمور فحنق منّي وقال لي: كيف ما جرّبت الأمور وأنا أكبر منك سِنًّا. فقلت له: لا تعلّق للسنّ في ذلك. هل رأيت طبلخانتك أدخلت الضرائر قط. قال: لا، ولا تُدخل الطبلخاناه الغرائر، واستبعد ذلك. وانفصل المجلس من غير أن يُصغي لما قلته ولا اكترث به.
قال الوالد: ثم بعد مدّة من هذا، وبعد مدّة من النقلة التي وقعت له من قبضه اتفق أن اجتمعت به فقال لي: مرحبًا بمجرّب الأمور. فقلت له: وما ذاك؟ فقال لي: واللَّهِ لقد تفكّرت في قولك لي مرة من مدّة، هل رأيت طبلخاناتك وقد أدخل بها الغرائر، وما عبأتُ بذلك حتى جاء إليّ قايتباي بالقبض عليّ بثغر دمياط، فلما قُبض عليَّ وجرى ما جرى ووقع الهرج في غلماني وجماعتي ومن معي لحظت في غضون ذلك، وإذا أنا أنظر إلى غلمان الطبلخاناة وهم يُدخِلون بها الغرائر لزوال سبب جذبها، فحضرني كلامك في ذلك الحين وبقيت متفكّرًا فيه، وعرفت حينئذٍ معناه، وحصل عندي بعض اعتبار وندم على ما فات منّي قبل ذلك. انتهى كلام الوالد.
أقول: وقايتباي هذا المعيَّن للقبض على إياس في ذلك الحين هو سلطان زمننا هذا الملك الأشرف.
- • ولقد عاش إياس هذا بعد هذه الكائنة إلى صدر من سلطنة قايتباي هذا حتى حضر إلى القاهرة بعد ذلك من طرابلس وكان قد أخرج إليها بعد نقله من الإسكندرية إلى سجن المَرقَب، ثم قبّل الأرض لقايتباي هذا، ثم مات بعد ذلك محمولًا بطرابلس على ما سيأتي في محلّه من ترجمته، أظنّ في سنة سبع وسبعين (١) إن شاء اللَّه تعالى.
(١) انظر عن (إياس الطويل) في: نيل الأمل ٧/ ٦٨، ٦٩ رقم ٢٩٢٩، وبدائع الزهور ٣/ ٨٨، وإظهار العصر ٢/ ٣٥٤، ومنتخبات من بدائع الزهور (طبعة كتاب الشعب) ٤/ ٤٤٦، وصفحات لم تنشر من بدائع الزهور (طبعة دار المعارف بمصر) ١٩٥١، وطبعة ١٩٦٣ ج ٣/ ٧١، والمجمع المفنّن ٢/ ١٣٧ - ١٤١ رقم ٨٤٥، وتاريخ طرابلس ٢/ ٥١ رقم ١٢١.