بأخلاق الفقهاء تقدّم بمصر، أو من الصوفية، فإنه كان من صوفية الأشرفية البَرْسْبائية، وبيده غير ذلك من وظائِف الفقهاء، وهؤلاء الأربعة الذين ذكرناهم آل أمرهم إلى عُلُوّ ورفعة، وبُعْد صِيت وسُمعة، فأحدهم وهو تَمُربُغا صار سلطانًا بعد ذلك، والآخران وهما أُزبَك وجانِبَك وُلِّيا الأتابكية ونيابة الشام، بل وترشّحا للسلطنة، وأحمد بن العَيني وُلّي الأميراخورية الكبرى، ثم إمرة مجلس، بل وترشّح لإمرة سلاح، بل وللسلطنة بعد موت خُشْقَدم، فلعلّ في ذلك ردّ على من يتشاءم باليوم الرابع والعشرين من الشهر.
[خروج المؤلّف من وهران لتِلِمْسان]
وفيه -أعني شهر رمضان هذا- خرجت متوجّهًا من واهران لتِلمسان، فدخلتها في اليوم السابع والعشرين منه، ونزلت بمنزل عبد الرحمن بن النجار صاحب الأشغال بها، بل مدبّر المملكة لسلطانها محمد بن أبي ثابت، وكان قد اختصّ به وقرّبه وأدناه في سلطنته دون كل أحد، وذكره له واطمأنّ إليه، ولم يكن للوزير ولا لغيره معه كلام، والأمر في مملكة تِلمسان والنَّهي إليه، فأنس بي هو وولداه (١) عبد اللَّه الأكبر، وعبد الواحد الأصغر، وكان عبد اللَّه نائبًا عن والده ومن الكتبة، وأمّا عبد الواحد فكان في هيئة الجند، ويركب وينزل مع السلطان، ولم يكن بعبد الرحمن هذا بأس بالنسبة لغيره، فإنه كان سَيوسًا عاقلًا، وكذا ولده عبد اللَّه، مع مَيله لطلب العلم، ومحبّة الفضل والفضيلة وأهل العلم، ذاكرًا للناس.
فسألني عبد الرحمن في شيء من النظم في مدح صاحبه، أعني صاحب تِلمسان، يُلقيها عنده بالقصر في المجلس العام، في يوم عيد الفِطر، بحضرة قاصد صاحب تونس، فأجبته إلى ذلك بعد أن أكد عليّ فيه، وأن أعرّض فيه بأشياء ذكرها لي، فنظمت قصيدة نحو الأربعين بيتًا، جيّدة في معناها، وكتبت بها إليه، فلما وقف عليها دعاني إليه، ورفع من محلّي لديه، وشكري على ذلك، وكتب لي ظهيرًا بمسامحتي في كل ما أتصرّف فيه من نوع المتجر، وإنزالي بمكانٍ بواهران إلى حين سفري، ورتّب لي بها شيئًا، ما بين لحم ودقيق وعدس. وسألني عن مواضع في القصيدة أُشكلت عليه، فأجبته عنها، فأخذ في مباحثات في ذلك، فوجدته ممن يُنسَب للعلم والفضيلة التامّة، ومعرفة الأدب، ونقد الشِعر، ثم أمر بالقصيدة فكُتبت بخط أحد من يكتب الكتابة، الجيّدة بتلمسان، ثم أمر بأن يقرأها