بيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. ثم أمر المنادي أن ينادي بشوارع القاهرة بالإعلان بسلطَنتَه وطلب الدعاء له، ودُقّت البشائر بذلك، وأظهر الناس الفرح والسرور بولايته للأمر، وهو السلطان الذي تكمل به عدّة الملوك الأتراك بمصر وأولادهم أربعين ملكًا، وهو الثاني من الأروام ممن تسلطن على الصحيح، والأول الظاهر خُشقدم على ما تقدّم هذا، إذا لم يكن المعزُّ أيبك، والمنصور لاجين من الأروام، وهو الصحيح، فإنهما ليسا بروميَّين، وإن كان منهم فهو الرابع.
ولما تم أمره في المُلك هرع الناس إليه للسلام عليه بالسلطنة وتهنئته بالمُلك، فدخلوا عليه أفواجًا أفواجًا، وأظهروا السرور والتباشر باستيلائه على الأمر، ظنًا منهم بأنّ مُلْكه يبقى، وأن الجُلبان الخُشقدمية قد خمدت شوكتهم وكُسرت كلمتهم، ولم يكن كذلك، بل كان الضدّ منه، حتى عظمت شوكتهم بزيادة عمّا كانت، وقويت، وزادت، واشتدّت، وتمادت، حتى ندموا بعد ذلك غاية الندم، حيث لم يتكايسوا مع خُشداش أستاذهم الظاهر يلباي، كما ستعرف ذلك فيما سيأتي (١).
[تواضع تمربُغا مع أهل العلم]
ثم أخذ الظاهر تمربُغا من هذا اليوم من سلطنته، بل وفي جميع مدّته كلها، يُظهر للناس غاية التواضع والحشمة معهم والأدب، بما لا يمكن ضبطه ولا حدّه، حتى خرج فيه عن العادة المعتادة المألوفة، بحيث صار ينهض قائمًا لغالب من يأتيه لتهنئته من أصاغر طلبة العلم في حالتي مجيئه وذهابه. وأما العلماء والفقراء فأجَلّهم غاية الإجلال، وعظّم غاية التعظيم، وطلع إليه في ذلك شيخنا العلّامة الكافِيَجي، تغمّده اللَّه برحمته، فأجَلّه إجلالًا زائدًا وعظّمه عظمة هائلة، على أنه كان يغضّ منه قبل ذلك لأمور اتفقت له معه، حين مشاركته له في النظر على الخانقاة الشيخونية، بل معارضات ومقاولات، حتى قال له شيخنا مرة
(١) خبر سلطنة تمربُغا في: النجوم الزاهرة ١٦/ ٣٨٧ - ٣٩٣، والمنهل الصافي ٤/ ١٠٠ - ١٠٢ رقم ٧٨٤، والدليل الشافي ١/ ٢٢٣ رقم ٧٨٢، والضوء اللامع ٣/ ٤٠، ٤١ رقم ١٦٧، ووجيز الكلام ٢/ ٨٦٠، ٨٦١ رقم ١٩٧٠، والذيل التام ٢/ ٢١٠، ومنتخبات من حوادث الدهور ٣/ ٦١٥ - ٦١٧، وحُسن المحاضرة ٢/ ٨٠، ونظم العقيان ١٠٢ رقم ٦١، وتاريخ الخلفاء ٥١٤، وتاريخ الخميس ٢/ ٤٣٣، وتاريخ البُصروي ٢٩، ونيل الأمل ٦/ ٢٩٦، وتاريخ ابن سباط ٢/ ٨٦١، وحوادث الزمان ١/ ١٨١، وبدائع الزهور ٢/ ٤٦٧ - ٤٧٦ و ٣/ ١٠٥، وأخبار الدول ٢/ ٣١٧، ٣١٨، وشذرات الذهب ٧/ ٣٢٦، وتاريخ الأمير حيدر ٥٤٦، وتحفة الناظرين ٢/ ٤١، ٤٢، وتاريخ قاضي القضاة العليمي، ورقة ٣٨ ب.