للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك كان يدخل مجلسه المرّة بعد الأخرى، واجتمع به مرة عند الشيخ العالم الفاضل الكسلي، شيخ بلده، فأخذ يسأله عن الشيخ يحيى العجيسي، ثم تمادى الكلام إلى مشايخه، وما قاله بعضهم من المقصورة التي أولها:

أنتم بقلبي وأنا أشكو النوى … إن حديثي لم يتُبْ في الهوى (١)

في جزيرة جرْبة:

وفي الثامن من شهر رمضان نزل جزيرة جرْبة (٢) بالمراكب مع التجار، فأقام بساحلها ثمانية أيام. وأوسقوا منها زيتًا كثيرًا وأنواعًا من الأكسية.

[في طرابلس الغرب]

وأقلعت المراكب إلى طرابلس الغرب، فنزل فيها نهار الخميس ١٥ من رمضان، وهيّأ له كبير التجار "عبد الحميد العوّادي" مكانًا سكَنَه، وفيها التقى بقاضيها وخطيبها ومفتيها، القاضي "منصور البنجريري القَرَوي"، وهو من قرية بنجرير بالقرب من القيروان، وكان من أهل العلم، ولديه فضيلة علمية وأدب، وله نظْم حسن، أنشده منه الكثير، وسمع منه الكثير من فوائده (٣). وكان أثناء إقامته بطرابلس الغرب يخرج مع رفاقه من التجار للتنزّه، وشاهد الزاوية التي بناها "أبو عبد الله محمد ابن السلطان أبي فارس عبد العزيز" صاحب تونس (٤)، وتنزّه بالبستان، ورأى القصر الذي فيه. ودخل الجامع الكبير بطرابلس وصعِد إلى مئذنته، وعايَنَ المكان الذي مات فيه الأطفال من جرّاء التزاحم عند التماس هلال شهر رمضان قبل دخوله المدينة بخمسة عشر يومًا (٥).

وأصبح يوم الثلاثاء الثاني من ذي القعدة موعوكًا، فجاءه من الغد قاضي طرابلس "منصور البنجريري"، ومعه طبيب يُدعى محمد، فعاداه، ودعا له القاضي بالدعاء المأثور لعيادة المريض، فكتب له المؤلّف:

لي سيّدٌ زارَ وما زرتُهُ … فمنّي النقْصُ ومنه التمامْ

إن تحمل سهوي ففقه مضى … لا في المأموم وهو الإمامْ

وطالما زار الغَمَامُ الثَرَى … ولم يزُر قطّ الثرى للغمام (٦)


(١) الروض الباسم ٢/ ورقة ٥٢ أ، ب.
(٢) جرْبة: جزيرة في بحر إفريقية، أقرب البلاد إليها قابس. (الروض المعطار في خبر الأقطار، للحِمْيَري، ص ١٥٨).
(٣) الروض الباسم ٢/ ورقة ٥٤ أ.
(٤) الروض الباسم ٢/ ورقة ٥٥ أ.
(٥) الروض الباسم ٢/ ورقة ٥٤ ب.
(٦) الروض الباسم ٢٦/ ورقة ٥٦ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>