للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان قائد طرابلس الغرب "أبو النصر" يتولّاها من قِبَل صاحب تونس، وهو رجل ظالم، فلم يزره المؤلّف لذلك، فأراد القائد أن ينكيه، فطلب منه ثوبًا من الصوف السميك الأرجوان، فبعث إليه ثوبًا طوله ٤٠ ذراعًا، كان اشتراه من تونس بثمانية وعشرين دينارًا، فأخذه ولم يدفع ثمنه، وبقي كذلك عدة أيام، فجاءه القاضي "البنجريري" وأغلظ له في القول، وأخذ الثوب منه، وأعاده للمؤلّف، ممّا زاد من حنقه عليه (١).

وحدث للمؤلّف أمر مُقلق وهو في طرابلس الغرب، ثم كانت له ذُيول بعد ذلك، وملخّصه أنه اشترى عشر جواري من الزنوج، وسلّمهنّ لمملوكٍ كان اشتراه بتونس، أصله من سردينية، كان أسيرًا وأسلم، فأعتقه وركن إليه، ولكن المملوك خدعه، إذ كان يتظاهر بالإسلام، وقال له: إن الرقيق في غاية الرخص في هذه البلاد، وهو غالٍ بساحل بيروت، فاشترِ لي فرسًا أتوجّه به إلى بيروت صحبة مراكب البنادقة مع التجار، فأبيع الرقيق، وأعود إليك بمالٍ طائل، فاشترى له ما أراد، وأنزله البحر مع التجار، فورد الخبر بعد مدّة أن المملوك ذهب إلى جزيرة رودس، وباع الرقيق هناك، وارتدّ عن الإسلام، وخرج إلى سردينية. فجاء من أخبر قائد طرابلس بذلك، وسنحت له الفرصة أن ينتقم من المؤلّف، فبعث خلفه، وسأله عن الجواري، فقال إنه بعث بهنّ إلى بيروت، فردّ القائد بأنك بعثت بهنّ إلى رودس، وبعْتهنّ هناك، فأقسم المؤلّف إنْ كَان فعل ذلك فعليه ألف دينار لبيت مال المسلمينَ، فسكت القائد، وانفضّ المجلس، وبعد وقت قصير أُحضر أمام القائد ثانية، وقد وصل اثنان من الأسرى المسلمين كانا برودس، فأخبرا بما فعل المملوك، ووصفاه، فالتزم بأداء الألف دينار إنْ صحّ الخبر، وأتى القائد بشاهدين، وكتب محضرًا بذلك، وأنه إنْ أتى آتٍ وأخبر بالخبر نفسه، كان عليه تنفيذ التزامه (٢).

وفي يوم الخميس منتصف شهر محرم من سنة ٨٦٨ هـ. وصل إلى طرابلس الغرب قارب، فيه اثنان من الأسرى المسلمين، هربا من رودس، وأخبرا القائد بما فعله المملوك، فاتفق القائد معهما أن يرويا ذلك أمام المؤلّف، ولكن دون ذِكر ارتداد المملوك عن الإسلام، وطلب منه الألف دينار، وأمر بحبسه دون أن يُمهله فرصة لتدبير أمره، وبعث إلى داره بجماعة، فأخذوا جميع ما وجدوه بها من المتاع، وحملوا أمّ ولده إليه، وبات المؤلّف ليلته سجيناً، وعلم جماعة من أعيان


(١) الروض الباسم ٢/ ورقة ٥٦ أ.
(٢) الروض الباسم ٢/ ورقة ٥٦ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>