للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(صرف أبي السعادات عن القضاء وما اتفق من سبب ذلك) (١)

وفيه، في يوم الخميس ثانيه، صُرف البدر أبو السعادات البُلقيني عن القضاء. وكان سبب صرفه عدم دُربته في بابه وحواشيه، وسلامة باطنه وفطرته، فإنه أخذ في تقريب الأشخاص الذين كانوا عند من صُرف من القضاة الشافعية بقباء الحكم وغيرهم، وهم مع أولئك على هذا على ما أشرنا إلى ذلك في ترجمة البدر هذا فيما تقدّم، بل وفي غير موضع بمناسبات ذكرناها فيما مضى من تاريخنا هذا، فبقوا يدبّروا عليه وهو لا يشعر، وبلّغوا الزين ابن (٢) مزهر كاتب السرّ عنه كلمات وقعت منه في حقّه مع بعض الأمراء، وكذا بلغه عن الشهاب أحمد بن العَيني عنه كلها لا على جهة النّمّ وإنكائه، بل على جهة أنه يشفع عنده فيه، وأنه لا يعارضه، ولا يقوم بمساعدة أحد من القضاة المنفصلين، فحنق الزين ابن (٣) مزهر وانتكى. وكان من بعض كلامه إنْ بقي في القضاء إلى الشهر الآتي فأنا المغلوب معه.

ثم اتفق أن البدر هذا أخذ في أسباب عمل حلوى أعجمية تصلُح للملوك لأجل إهدائها للسلطان. وتأنّق في عملها إلى الغاية، وصرف عليها مبلغًا جيّدًا، فحسّن له بعض من أهل بابه بأن يأخذ من بعض أناس ذكروهم له شيئًا يستعين به على عمل الحلوى، وكان ذلك التحسين أرطال من الأغراض، والبدر غافل عن مراد ذلك المحسن، بل يظن أنه نصحه في ذلك، ثم أخذ جماعة ممّن لهم غرض في صرف البدر هذا في توسيع الحيلة بباب ساسان وشيطنة ومكر يطول الشرح في تفصيل ذلك. وبَدَرَ الزين ابن (٤) مزهر بمُمالأة بعضٍ ممن ذكرنا، أنْ قال للسلطان: القاضي الشافعي قد تظاهر بأنه يعمل حلاوة لمولانا السلطان، وجبى في حجّتها مالًا، حتى من اليهود، وهو يقول للناس: نعمل حلاوة للسلطان أعينونا على ذلك، وبَلَصَ الكثير من الناس. ولما قرّر هذا عند السلطان أعقب ذلك بعث البدر الحلوى إلى السلطان في عدّة صدورٍ كبار من النحاس، على رؤوس (٥) عدّة من الحمّالين، وهو لا يشعر بما كان ولا بما اتفق، وساعة وقوع بصر السلطان على ذلك استشاط وحنق، وصرّح بعزله، وردّ الحلوى. فكاد البدر أن يجنّ حين عُزل عن هذه الوظيفة، حتى قيل إنه حصل له ما يشبه الوسواس عقيب ذلك. ولم يدر من أين أتى عليه، ولا ما السبب لعدم دُربته. فأين هذا من تدبير هذا الوقح الحِيَلي، المعروف بابن المغرفي الغربي الحنفي، حين وُلّي منصب القضاء الحنفية


(١) العنوان من الهامش.
(٢) في الأصل: "بن".
(٣) في الأصل: "بن".
(٤) في الأصل: "بن".
(٥) في الأصل: "روس".

<<  <  ج: ص:  >  >>