الحدرة، ونزل عن فرسه، فدخل على السلطان بمن معه، وتركهم بالقرب من الدُهَيشة ودخلها، فلما رأى السلطان قبّل الأرض بين يديه، فقام له واعتنقه واعتذر إليه وتسارّ معه، فكأنه ذكر له جليّة الأمر، وأنّ ما وقع من قبضه على الظاهرية ليس بأمرٍ منه، ثم أمر بإحضارهم من الإسكندرية. ولما طلع النهار خرج السلطان من القاعة إلى مقعد البحرة من الحوش، وفعل ما أرضى به الظاهرية ما يطول الشرح في ذِكره، وخرجت الأوامر في الحال بإحضار من توجّه لسجن الإسكندرية، وكان حضورهم بعد ذلك في السنة التي تليها كما سنذكره في أوائلها إن شاء الله تعالى. ومن غرائب ما رأيت أنا بتعليقي (١) في نكتة من متعلّقات هذه القضية أن ما فعله الظاهر خُشقدم هذا من طلب قايتباي هذا في تلك الليلة مع ما فعله قبل ذلك بخُشداشيه من نوادر أفعال أهل التدبير، ومن الغَرر المحض لذي السلامة عقيبه على غير قياس، إذ طلوع هؤلاء الجمع على تلك الصورة والكيفية، وليس عند السلطان من يساعده ولا يحميه، لا سيما وقد خاف من مساعديه وذويه من أكبر الأسباب في الطمع فيه لمن لا غرض له عنده إذا انفتح له هذا الباب، فضلاً عمّن له غرض أو يتوهّم فيه بشيء من أمره، ولو وقع منهم أمر مما يوجب زوال ملك الظاهر، بل وأخذ روحه، وكذا لو ثبت قايتباي على الأمر لكان ذلك كله ممكناً، لأن جميع من كان عند خُشقدم في تلك الليلة بأسرهم كانوا لا قدرة لهم على دفع البعض ممن جاء مع قايتباي لو أراد الوثوب على الأمر، وانتهز الفرصة في تلك الحالة التي قد اتفقت للابن مع والده الملك لانتهزها، فضلًا عن أمرٍ قد بدّد شمل جماعة وأشيع عنه بإزالة الجميع. وأظن أن قايتباي لما ترك ذلك مع قدرته عليه لا سيما إن كان نفسه حدّثته بذلك، وردّ هؤلاء ذلك للوفاء بوعد من اعتقده وركن إليه، عوّضه الله تعالى ذلك الذي بذله بعينه بعد ذلك حتى آتاه إيّاه وأدامه معه، وهو الملك إلى يومنا هذا أضعاف ما كان مع الذي تركه له من المدّة. فصدق من قال: من ترك شيئاً للَّه عوّضه الله خيرًا منه. ولا شك أن ما ملكه قايتباي بعد ذلك أَدْوَم مدّة بأضعافٍ مضاعفة من مدّة خُشقدم.
[[تغريق السلطان خمسة من مماليكه]]
وفيه- أعني هذا الشهر، في هذه الأيام، في هذه الكواين غرّق السلطان خمسة أنفار من مماليكه، وهم الذين تقدّم خبرهم في الهجوم عليه، وبينهم يَرَش السيفي جانبك نائب جُدّة، وكان السلطان قرّبه وأدناه وجعله من أخِصّائه، ثم بلغه