للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان سبب ولايته هذه النيابة أن طوغان نائب القدس الذي أخذ الوالد عنه تعرّض لبعض جهاته بالأذى والظلم، فراسله الوالد في كفّ أسباب ذلك عن جهاته، وكان الوالد مقيمًا بمدينة سيّدنا الخليل على ما ذكرناه فيما تقدّم بعد عزله من أتابكية حلب، وما امتحن به من السجن والقيد. فسوّف طوغان بكفّ أذاه، فراسل الوالد بعض أصحابه بالقاهرة ليُعلِموا السلطان بذلك حتى يبلغ المذكور فيكفّ، من غير أن يتعرّض الوالد للنيابة ولا خطرت بباله، فإنه ما كان يرى بنفسه أن يكون نائبًا القدس ولا تحدّثه نفسه بذلك قطّ لأنها درجة هيّنة بالنسبة لما كان فيه. فاتفق أن السلطان بعث للوالد بالإذن في الحضور إلى القاهرة بعد أن تأثّر في الباطن من طوغان ولم يُظهر ذاك حتى قدم الوالد إلى القاهرة وطلع القلعة بالملّوطة الطرْح (١) على عادة بطاكلي الأمراء، فرحّب به وأنس إليه، ثم أظهر التغيّظ على طوغان في ذلك المجلس، وقال من جملة كلامه: يكون في بلاده ملك مثل هذا قد حطّه الدهر فلا يساعده ولا يفتقده، ولم يكفه ذلك حتى تسلّط عليه وعلى جهاته بالأذى، قد عزلته ووليتك عِوضه على تقدمة ألف بدمشق، لمعرفتي بمقامك، وإن نيابة القدس تشينك، لكن التقدمة تجبُر ذلك الشين. ثم أخذ في الاعتذار إليه عمّا كان وقع من قضية سجنه، واستعطف بخاطره، ثم أمره بأن يطلع إليه في كدِه بقماش الخدمة ويلبس خلعته، فطلع إليه في هذا اليوم الذي هو الخميس، فخلع عليه، ونزل في موكب حفل معه جماعة من أرباب الدولة وأصحابه، ثم اتفق أن حضر للسلطان بَرْك يونس الزيني الأعور، وكان من الأمراء بدمشق ونائب غزّة قبل ذلك أيضًا، فبعث السلطان بجميع ذلك البَرْك بتمامه وكماله إلى الوالد، وكان ما بين خيل وبغال وجمال وخام وًالات سلاح إلى غير ذلك، وبعث إليه أشياء أُخَر مع مبلغ جيّد، فأخذ الوالد في تهيئة حاله، ثم خرج للقدس بعد أيام. وكان من أمره ما سنذكره بعد ذلك (٢).

[[تعزير طوغان]]

وأمّا طوغان فحنق عليه السلطان وأمر بتعزيره، ثم شُفع فيه، وآل أمره بأن


(١) الملّوطة: جمعها ملاليط. جبّة من الحرير. ولباس مثل العباءة تُطرح على المرء (معجم المصطلحات ٤٠٨، ٤١٢، R. Dozy-Dic) .
(٢) خبر ولاية والد المؤلّف نيابة القدس في إنباء الغمر ٤/ ٢٤٥، والتبر المسبوك ١٤ (١/ ٢٩٣)، حوادث الدهور ١/ ١٣٢، والنجوم الزاهرة ١٥/ ٣٧١، ونيل الأمل ٥/ ٢١٦، وبدائع الزهور ٢/ ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>