للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

للتهنئة بالشهر على العادة، فكان قد رؤي في ليلة الثلاثاء رؤية ثابتة، وثبت، فلما هنّأوه به أمر القاضي الشافعي، وهو الشيخ شمس الدين القاياتي إذ ذاك، بأن يتوجّه هو والكمال بن البارزي كاتب السرّ إلى مصر العتيق (١) بسبب كشف كنيسة النصارى الملكية، وكان قد رفع القاضي نور الدين بن أقبرس ناظر الأوقاف إلى السلطان بأنه إلى جانب هذه الكنيسة مسجد، وأن جدار الكنيسة عالٍ على المسجد المذكور، وأنه يجب هدم هذا (٢) الجدار. وكان السبب في ذلك أنه كان لابن أقبرس هذا بريد دار، وكان كثير السلاطة على خلق اللَّه بالتظلّم والأذى والسعاية، فتسفط على بطرك النصارى الملكية لما استَلْيَشه في نظره، فإنه كان ولّي البطركيّة في السنة الخالية لما هلك البطرك فيها، وقُرّر هذا عِوَضه، فطمع فيه، فرفع البطرك أمره إلى السلطان بقَصة أوصلها لكاتب السرّ، فحنق ابن أقبرس منه في الباطن حميّة وتعصُّبًا لبرد داره، فذكر هذه القضية وهي أمر الكنيسة للسلطان، فأمر بما أمر في اليوم المذكور، فلما توجّه الشافعي وكاتب السرّ رأيا ومن معهما جدار الكنيسة الذي إلى جهة المسجد (٣) مائلًا جدًّا، فحكم أحد نوّاب الحكم الشافعي بإذن مستنيبه بهدم الجدار لئلّا يسقط على المسجد، وكان في ظنّ السلطان أنه يجب هدم الكنيسة أصلًا. واتفق أن شيخ الإسلام البدر العيني، رحمه اللَّه، كان حاضرًا في ذلك اليوم، فبادر بأن قال: ما يجب هدمها إلّا إذا كانت حادثة، وإن كان المسجد قديمًا وجب هدم الجدار الذي يعلو عليه. فحنق السلطان من هذا الكلام وتغيّظ على قائله وأسمعه الكلام المُنكي بأن قال له: لما كنت حاكمًا لِمَ لا فعلتَ ذلكَ بل كنت تفعل عليه، ونحو ذلك من الكلام.

فانظر إلى هذا الفِعل من الإمام الأعظم وما يصدر منه حين التكلّم بالحق.

ولقد كان الظاهر يُغضي من البدر (العَيني) (٤) غاية الإغضاء لكونه ممن ينتمي للأشرف برسباي، ولم يجد له عليه حجّة، فلما تكلّم بالحق وجد فرصة للكلام فحنق منه وأهانه بالكلام المُنكي. فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون (٥).

(نزول عثمان ولد الظاهر لكسر البحر) (٦)

وفيه، في يوم الأربعاء ثانيه كسر الخليج الحاكمي عن وفاء النيل المبارك،


(١) هكذا في الأصل. وستأتي لاحقًا.
(٢) في الأصل: "هذه".
(٣) كتب أولًا "الكنيسة" ثم ضرب عليها خطًا.
(٤) في الأصل: "الغيني".
(٥) انظر عن كنيسة النصارى في: إنباء الغمر ٤/ ٢٣٧، ووجيز الكلام ٢/ ٦٠١، ونيل الأمل ٥/ ٢٠٧.
(٦) العنوان من الهامش.

<<  <  ج: ص:  >  >>