للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هي الدنيا أقلّ من القليل … وطالبها أذلّ من الذليل

ومما يقرب منه:

هي الدنيا تقول بِملء فيها … حَذَارِ حَذَارِ من بطشي وفتكي

أُري أُولاها منّي ابتسامٌ … فَقَولي مُضحِكٌ والفِعلُ مُبكي

ولما أخذوا في إظهارهم بالإلحاح على الأتابك قايتباي، وبالغوا في ذلك، أجابهم إليه على كُرهٍ منه في الظاهر. والله متولّي السرائر.

وظهر لي منه أنه ما بقي يمكنه المخالفة، لا سيما وقد تعيّن لهذا الأمر، لأنه امتنع حتى يتولّى غيره ربّما حصل عليه ما لا ينبغي على ما هو الظاهر، فاتفق كل من حضر على بيعته، وأولهم في المقال جانِبك قُلقسيز، فبدر بأنْ كان أول من قام بسلطنته في ذلك المجلس ليحمّله المِنّة (١) بذلك.

ويقال: إن ذلك بسبب ما قدّمنا ذِكره من دسّ تمراز إليه به، على ما تقدّم آنفًا، وسمعناه من الأفواه. ولعلّ الحدْس الصائب يرشد إليه، وإن كان إسماع من له غير ذلك من الغرض يأباه. وكان يشبك من مهدي قد حضر هذه الحادثة، على ما تقدّم كيفيّة قدومه فيما تقدّم، بل كان أكبر القائمين بها.

بل قيل إنه اتفق مع الأتابك قايتباي أنه يولّيه الدوادارية الكبرى إذا تسلطن، عِوضًا عن خيربك.

وقيل: بل حدث ذلك بعد السلطنة، فإنه وليها في هذا اليوم دفعة واحدة، وعُدّ ذلك من النوادر، كون أمير عشرة كاشف الصعيد يتولّى الدوادارية الكبرى من غير أن يترشّح لها، وما وصل إليه بعد ذلك فأعظم، على ما ستعرفه في محالّه، بل وعُدّت (٢) سلطنة قايتباي أيضًا في مثل هذه الكائنة من غريب النوادر أيضًا.

[إخراج تمربغا إلى البحْرة]

ولمّا تم هذا الأمر بَدَرَ يشبُك هذا بالطلوع إلى القصر، وقد انتدبه الأتابك قايتباي بأن يأخذ تمُربُغا من القصر، ويتوجّه به إلى البَحْرة من غير عنف ولا إزعاج، ويعتذر إليه بما رآه، وما يمكنه أن يعتذر به عنه إليه، مع تطييب خاطره. فدخل يشبُك عليه وهو جالس في دَست سلطنته وعزّ مُلكه، وهو منتظر طلوعهم إليه وتقبيل الأرض بين يديه. فقال له: السلطان يأمرك أن تتوجّه إلى البحرة.


(١) في الأصل: "المانه".
(٢) في الأصل: "وعد".

<<  <  ج: ص:  >  >>