للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عظمة زائدة وجمع حافل وافر، وعساكر هائلة، ومن كان له غرض تامّ في الاستعلاء ويحسّنوا (١) له السلطنة. بل سمع قائلًا يقول حين طلوعهم إلى باب السلسلة: "اللَّه ينصر الملك الناصر قايتباي"، هذا، وهو في قلبه ما فيه على ما قيل إن الاتفاق كان قد وقع مبيّتًا بذلك.

قال بعض ظرفاء الأذكياء: ويدلّ على ذلك كون الأتابك هذا لما طلع إلى باب السلسلة، لم يستمر في طلوعه إلى القصر، إذ لا مانع له من ذلك، بل دخوله إلى مقعد الحرّاقة بالإسطبل وجلوسه فيه دليل ظاهر على ما يقال: إن الاتفاق على ذلك كان قبل ذلك، أو كان مبيَّنًا، لأنه كان يمكنه أن يصعد إلى الظاهر تمربُغا دفعة واحدة. ولما تكلّموا معه في ذلك أخذ هو يُظهر الامتناع، إلى أن قام بعضهم فقبّل له الأرض، وامتنع بعد هذا أيضًا، بل وذكر عنه أنه قال: أنا إنّما قمت بنُصرة خُشداشي السلطان، وعار عليّ أن أتسلطن مع وجوده وهو سالم صحيح قد خلعه اللَّه تعالى.

فقيل: إنما قال ذلك إبعادًا للوهم عنه، فبدروا بأن قالوا: ما بقي في الامتناع فائدة، وخُشداشك لا تشويش عليه، ونحن لا نرضى إلّا بك، فإمّا أن تتسلطن وإمّا أن تسلطن غيرك، وأمّا إبقاء تمُربُغا فلا سبيل إليه، لأنه كسر ناموس المُلك بعدم مدافعته عن نفسه.

أو ذكروا غير هذا من الكلمات التي هي كالمندوحة. فخُلع تمربُغا، وأخذوا في ذكر كلمات أُخر من نحو هذا، مما يطول الشرح في ذكره، لو ذكرته برُمّته على حقيقته، إذ كنت في هذا اليوم، بل وفي ليلته أيضًا مخالطًا (٢) لهؤلاء على جهة الاعتبار بهم، والاطّلاع على حقائق أحوالهم الظاهرة، وعلى القرائن الدالّة على ما في بواطنهم، فما أظهروه لبعضهم البعض لا للغير، ولم أكن مخالطًا لهم لحاجة لي عندهم، ولا لمناسبة لي معهم.

وكنت حاضرًا أيضًا بباب السلسلة حين مبايعة الأتابك قايتباي، ولو شرحت أصل هذه القضيّة على ما كانت عليه من أولها إلى آخرها، وما رأيت فيها وما سمعت، وما توسّمت، وكان كلما توسّمته، لطال المجال، واتّسع المقال، ولسنا بصدد ذلك، بل نحن بصدد أن نذكر ما فيه الاعتبار لأهل البصائر والأبصار، لا سيما للمعتبرين من أهل اليقين، ليعلم أن هذه الدنيا تلعب بأهلها، وتتلهّى بهم وعليهم:


(١) في الأصل: "يحسّنوا".
(٢) في الأصل: "مخالط".

<<  <  ج: ص:  >  >>