يأخذ الكتاب أهميّته - رغم الفترة التاريخية القصيرة التي وصلتنا منه - من كونه يؤرّخ لحقبة مهمّة من عصر المماليك في مصر والشام. وخصوصًا الحقبة المتأخّرة منه، حيث تقلّ المصادر عن هذه المرحلة بشكل ملحوظ. والأهمّ من ذلك أن المؤلّف يؤرّخ أيضًا لبلاد المغرب (ليبيا، تونس، الجزائر)، والأندلس كشاهد عيان بحكم رحلته إلى تلك البلاد وإقامته فيها نحو خمس سنين (٨٦٦ - ٨٧١ هـ.)، وعلاقاته الشخصية برجالات الحكم والسياسة فيها، وصداقاته الواسعة مع أهل العلم، وكبار التجّار.
والكتاب بسنواته الأخيرة يؤسّس لبداية ضعف دولة المماليك، وللسنوات الأخيرة من الوجود الإسلامي في الأندلس، ويعرض لأخبار أندلسيّة ومغربية لا نجدها عند غيره. ويتناول يوميّات سلاطين المماليك وأخبارهم، وأخبار رجالات الدولة السيا سيّين، والعسكريّين، والإداريّين، والدينيّين، والعلماء، وعامّة الناس. وأخبار العجائب والغرائب والنوادر والطرائف، ويعرض للحياة الثقافية، والحركة العمرانية، والاقتصادية، والتجارية، والزراعية، وللمناخ، وأحوال الطبيعة، والزلازل، والفيضانات، والسيول، والحرائق، والنكبات، وحالات الخسوف والكسوف، وتدهور القيمة الشرائية للدراهم والفلوس، وانحباس المطر، وقوافل الحجّاج، والرياح والعواصف، والأوبئة، والحرّ والبرد، والشدّة، والرخاء، وقياس منسوب مياه النيل، والفِتَن والحروب، وأخبار الأعراب من عرب لبيد، وعرك، وقتيل، وفزارة، ومحارب، وهوّارة، وبني عُقبة، وغيرهم، وأهل صعيد مصر، وتبادل السفارات والوفود مع السلاطين العثمانيين، وملوك الفرنج ومراسم الاحتفالات، والمواكب، ورسوم السلطنة، والمناصب، والوظائف ومصطلحاتها، ووضع أهل الذمّة من نصارى ويهود في المجتمع الإسلامي، وخصوصًا في بلاد المغرب، وأخبار ابن قرمان، وابن دُلغادر مع بني عثمان، وأخبار بني مرين، وبني وطّاس بفاس، واعتداءات الفرنج على السواحل المغربية وحروب المماليك مع شاه سوار، وغير ذلك من معلومات ثَرَّة، انفرد المؤلّف بذكر كثيرٍ منها دون غيره من المؤرّخين، إذ لم نجدها في أيّ مصدرٍ آخر. كما أضاف كميّة ضخمة من تراجم الأعلام، وخاصة أعلام القرن التاسع، ممّن عاصرهم، أو اتّصل بهم والتقاهم، أو وقف على أحوالهم، وهم بالمئات، ولم يذكرهم "السخاوي" في موسوعته المعروفة بـ "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع"، وقد أشرنا إلى ذلك في حواشي الكتاب. مع وصفه الممتع لكثير من الأماكن التي زارها في تنقّلاته، ومنها وصفه