للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتهيّأوا بأجمعهم للخروج، وأشغله هذا الحادث المهم، والخَطْب المدلهمّ، عن تجهيز العسكر لجهة أقاليم هذه البلاد، لأجل إفساد العربان فيها، وطغيانهم، وشيْل رؤوسهم (١) وعصيانهم هذا قبل ورود هذه الأخبار، فما ظنّك بالحال بعد ورودها، فانظر فتأمّل عقلك ما يترتّب على هذا من الفساد وخراب البلاد وهلاك العباد، وطمع الطامعين.

ثم أخذ السلطان يشكو (٢) من قلّة المال بالخزائن، وعدم متحصّل الذخيرة. وتفكّر في أنه لا بدّ من مصرفٍ كبير يقوم بكفاية من يجهّزه في هذه الحادثة الفظيعة (٣) وبغير ذلك أيضًا، فخرج أمره في هذا اليوم بأن بعث إلى الخليفة والقضاة ومشايخ الإسلام بأن يحضروا إلى عنده في غد هذا اليوم، ليستفتيهم في شأن هذا المهم العظيم، وفي جواز أخذ المال من ذوي اليسار من التجار والمقطَعين، ومن الأوقاف، وأهالهم ما سمعوه من ذلك، لا سيما أهل الأموال، فإنهم أيقنوا، بل جزموا بأن أموالهم أُخذت من أيديهم، لما تحقّقوه من طمع السلطان، ومن عدم اكتراثه بأحد، ولا مشورته لأحد، ولا قبوله شفاعة أحد، إلى غير ذلك من خلال به يعرفون ويتحقّقون أنهم لا قدرة لهم ولا لغيرهم على مخالفته وردّ كلمته، وأساء الكثير من الناس الظن بغالب من تسمّوا بالعلماء في هذا الزمان، لما يعلمونه من مَيلانهم لأغراض الأتراك، لا سيما السلاطين، فترادفت الهموم على كثير من الخلائق، بل على الجميع، حتى أهل الذمّة. وكانت هذه الحادثة من أقبح الكائنات في هذا العصر. ثم كان ما سنذكره (٤).

(عقد المجلس بسبب أخذ المال من أجل النفقة) (٥)

وفيه، في يوم الأربعاء، رابع عشرينه، حضر الخليفة والقضاة الأربعة (٦)، وجماعة من العلماء والمشايخ بالحوش، وجلس السلطان وإلى حذائه الخليفة عن يمينه، والقضاة في مراتبهم على العادة، وكذلك من حضر من العلماء كلٌّ في مكانه المعروف لجلوسه، وحضر من كان بالقاهرة من الأمراء مقدَّمين (٧) الألوف، وجلسوا وبقية الأمراء وأرباب الدولة وقوف، فنهض القاضي زين الدين بن مُزْهر قائمًا، وتكلّم، وهو كاتب السرّ، مع الخليفة والقضاة. وكان الخليفة إذ ذاك


(١) في الأصل: "روسهم".
(٢) في الأصل: "يشكوا".
(٣) في الأصل: "الفظية".
(٤) خبر قلق السلطان في: نيل الأمل ٦/ ٣٢٧، ٣٢٨، وبدائع الزهور ٣/ ١٣.
(٥) العنوان من الهامش.
(٦) في الأصل: "الأربع".
(٧) الصواب: "مقدّمي".

<<  <  ج: ص:  >  >>