والصلاة والسلام على المصطَفَى محمد خاتم أنبيائه ورُسُله.
وعلى آله الطاهرين، وصَحبه الأخيار المبجَّلين.
وبعد،
فتعود صلتي بهذا الكتاب إلى أوائل السبعينيّات من القرن الماضي حين كنت أتردّد يوميًّا على "دار الكتب المصرية" عندما كانت في حيّ "باب الخلق" بالقاهرة، وأطالع وأنسخ ما في "مركز تحقيق التراث" التابع لها من مخطوطات، قبل انتقال الدار والمركز إلى شارع "كورنيش النيل" في الموقع الحالي. وكان هذا الكتاب "المخطوط" بين المصادر التي اعتمدت عليها في تأليف كتابي "تاريخ وآثار مساجد ومدارس طرابلس في عصر المماليك" عام ١٩٧٣، ثم كان بين المصادر المخطوطة التي اعتمدتها في إعداد أُطروحتي بعنوان "طرابلس الشام ونضالها في سبيل العروبة والإسلام"(من الفتح الإسلامي حتى سقوط دولة المماليك) ونلت عليها درجة "الدكتوراه" بمرتبة الشرف الأولى، عام ١٩٧٦ من قسم التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر.
ومنذ ذلك التاريخ كنت أتصفّح هذا المخطوط وأقلّب أوراقه، وأحلُم بأن أراه منشورًا محققًا، لِما يحتويه من معلومات نادرة وأخبار طريفة ومهمّة لم يذكرها غيره، وصاحبه كان شاهد عيان على عصره، ورحّالة طوّف البلاد ما بين آسية الصغرى (تركيا) والأندلس، وتنقّل للتجارة بين بلاد الشام ومصر وليبيا وتونس والجزائر، وأبحر بين الإسكندرية ورودس وتونس، وعبر العدوة بين المغرب والأندلس إلى غَرناطة، فأرّخ ووصف الأماكن والبلدان، والتقى بالسلاطين والوزراء والأمراء والأعيان والعلماء والأدباء، ومارس التجارة والأسفار، والتعليم والتدريس والتأليف والتصوّف، وامتهن الطبابة فبرع، وكان مؤرّخًا عملاقًا موسوعيًّا بكل معنى الكلمة، منافسًا لابن تغري بردي، صديقاً للسخاوي يتبادل وإيّاه الفوائد، أستاذًا