للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالميت من باب النصر، بعد أن عولج أشدّ علاج بأن يُمهل إلى أن يدخل الميت، ثم تُعمل مصلحته، ثم يُدفن بذلك، ولما رأى العامّة ذلك صاحوا: الشرع، الشرع. واجتمع جمع وافر (١) منهم، وأخذوا التفتيش بجثته والغريم حتى وصلوا بهما إلى المدرسة الصالحية بين القصرين، وقد زاد الناس، وتوفّر جمعهم، وكثُر السواد الأعظم من الناس لما تسامعوا بهذه الكائنة، وتزاحموا ودخلوا بالدائن المشتكي والجنازة إلى داخل المدرسة، حتى وقفوا عند القاضي جلال الدين ابن (٢) الأمانة (٣)، أحد نواب الحكم الماضي ذِكره، للحكم في هذه الحادثة. ولما رأى القاضي ذلك هاله الأمر، فأخذ يتلايق في ذلك بحسن سياسته، لئلّا يحصل الفساد ويقع الخَرق، فبدر أولًا بأن قام من وقته فتوضّأ، ثم صلّى على الجنازة، ثم عزّر ربَّ الدَّيْن أبلغ تعزير، وكان في ذلك خلاص مهجته، وإلّا فكانت العامّة قتلوه بأيديهم، على أنهم تناولوه بالضرب والشتم واللعن والتوبيخ، وضربوا النُقباء، ثم حُمل الميت إلى محلّ دفنه فدُفن، وعُدّ ذلك من سياسة هذا القاضي ودُربته وكياسته، وحُمد على ذلك (٤).

[[تجهيز قائد طرابلس المال لسلطان تونس]]

وفيه، في هذه الأيام، ونحن بطرابُلُسَ الغرب هيّأ (٥) قائدُها جملة من المال مستكثَرة، فوق المائة ألف دينار، وهي الحمْل المقرَّر عليه في كل سنة، جهّزه ليُحمل إلى صاحب تونس، على يد ولده شاشي.

وكان شاشي هذا قد عزم على التوجّه لتونس بإعادة من حضر من النساء فيها، مع ابنة عمّه ظافر التي تزوّج بها شاشي هذا، وعمل لها بطرابُلُس عرسًا حافلًا عظيمًا قبل هذا التاريخ بشهور، وأقاموا مدّة، ثم أرادوا العَود (٦).


(١) في الأصل: "واجتمع جمعًا وافرًا".
(٢) في الأصل: "بن".
(٣) هو عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز الأبياري، القاهري، الشافعي، المعروف بابن الأمانة. كان موجودًا في سنة ٨٩٥ هـ. حين تنازل عن مشيخة تدريس الشافعية بالشيخونية. ترجم له السخاوي ولم يؤرّخ لوفاته. انظر عنه في: الضوء اللامع ٤/ ١٢٠، ١٢١ رقم ٣٢١، ونيل الأمل ٨/ ١٩٥.
(٤) كائنة الجثة في: نيل الأمل ٦/ ١٨٥، وبدائع الزهور ٢/ ٣١٨ وابن أياس ينقل عن المؤلّف -رحمه الله- الذي تفرّد بالخبر.
(٥) في الأصل: "هياء".
(٦) الصواب: "وأقمن مدة ثم أردن العَود".

<<  <  ج: ص:  >  >>