للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جرِباش أن أمره هذا لا فلاح فيه ولا صلاح عقبه أخذ في التحيّل في ركوب فرسه، ثم أخذ في سوقها قاصدًا القلعة حتى وصل إليها فدخلها، وتمثّل بين يدي السلطان مُظهرًا طاعته، معتذرًا إليه بأن ذلك بغير اختياره بعد أن قبّل الأرض بين يديه، فترحّب به، وقبّل عضُده ظاهرًا، ومن ذلك الحين ثم ما في النفس فيها إلى أن كان من أمر جرِباش هنا ما سنذكره في محلّه.

ولما رأى الثائرون من الأشرفية هَرَبَ جرِباش هذا انهزموا بعد أن ثبت عند السلطان قيامهم وإثارتهم هذه الفتنة، فضمّ هذه الفعلة المهملة إلى الفعلة (١) الأخرى، وهي قضية جانَم، فزادت ذنوبهم عنده، ولما انهزموا توجّه كلّ منهم إلى حال سبيله بعد أن فعلوا فعلة كالهوا سوا. وأخذ السلطان في التغافل عنهم وعدم الاكتراث إلى شيء مما فعلوه، ولا الالتفات إليه، وأظهر قبول عُذر من اعتذر إليه وفي نفسه من ذلك أشياء ظهرت بعد ذلك بعد شماتة، فمدّ يده وأربع فيهم وبضّع بالنفي والإخراج إلى التجاريد والحمل إلى السجون وغير ذلك من أنواع تشريدهم وتبديد شملهم وتفريق جمعهم، هذا، ومن قبض عليهم من الأمراء مضيَّقٌ عليهم بالقلعة، حتى كان ما سنذكره (٢).

[طلوع والد المؤلّف إلى القلعة]

وفيه -أعني هذا اليوم- طلع الوالد إلى القلعة للسلطان يهنّئه بهذه النصرة، فانبسط إليه، وكلّمه الوالد في الأمير الأتابك جرِباش، وأن ما وقع على كرهٍ منه ليس له فيه اختيار، فأظهر أن ذلك كذلك، ثم هرع الكثير من الناس إلى السلطان لتهنئته، وخمدت تلك الفتنة كأنها لم تكن.

[رأي المؤلّف في جماعةٍ تغيّر حالهم]

وكان فيها جماعة أعرفهم بأعيانهم في هذا الزمان، وصار منهم الأكابر الآن، فانظر إلى هذه الدنيا، لا سيما بهذه البلاد وكيف ترقّى إلى المحلّ الأسمى من لا قدرة له على تدبير ما تدبيره في غاية الظهور، فما بالهم في تدبير الغامض من الأمور بذلك قابلك في ذلك أن هذه المملكة خلت، ولهذا زاد فيها طمع الطامعين، وباللَّه نستعين ممن لا تدبير لهم في منع جَرِباش عن الركوب من بين


(١) في الأصل: "الععلة".
(٢) خبر ثورة الأشرفية في: النجوم الزاهرة ١٦/ ٢٦١، ٢٦٢، ووجيز الكلام ٢/ ٧٤٠، ونيل الأمل ٦/ ١٢٦، ١٢٧، وبدائع الزهور ٢/ ٣٨٦، ٣٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>