للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(كائنة قصّاد شاه رُخ وما جرى عليهم) (١)

ذكر لي بعض من عنده خبر من ذلك قال: إنّما قصد بذلك إدخال الكسوة إلى البحرة لقربها من الحوش، فإنه كان قد استحسن بعِظم أمرها على أهل الدولة وغيرهم، وكان أمر أن لا يشاع إحضارها، فلما مثُل القاصد بين يديه أمر السلطان بإدخال ما مع الحمّالين جميعه إلى البحرة ليلاً لئلّا يفطن أحد بالكسوة فيثور السرّ لأجل ذلك، ومع ذلك فوقع ما حزره، وكان ما خافه. ثم قبل القاصد المذكور وترحّب به السلطان وبمن معه، وقرئت مكاتبة مرسله، ثم نزل القاصد المذكور قاصداً محلّ نزوله بدار جمال الدين، فلما وصلها وقبل أن يدخلها برز العامّة لرجمه وأطلقت الألسُن فيه بالوقيعة، وتتابع الرجم. وبينا على هذا الحال وإذا بطائفة كبيرة من الجُلبان وقد نزلوا من القلعة وهم فوق الثلاثمائة، ومعهم جمع كثير من المماليك البطّالة والعوام والغوغاء، فهجموا على الدار المذكورة والقصّاد بها وتبعوا فيهم بالنهب، وأخذ جميع ما معهم حتى خيولهم وما أحضروا معهم مما هو برسم الاتجار به من مِسْك خاص وفيروزج وحرير وثياب وغير ذلك من متاجر تلك البلاد، مما قُوّم جميع ذلك يفوق العشرين ألف دينار، وبلغ السلطان ذلك فتشوّش من ذلك غاية التشويش، ثم أمر في الحال الأمير إينال العلائي الدوادار الكبير، وللأمير تنِبك البُرْدُبَكي حاجب الحجّاب بأن يدركوا هذه القضية وحرّجهم على الإسراع (٢) في ذلك. وكان يلْخُجا من مامش (٣) الرأس نوبة ثاني ساكناً بالقرب من دار القصّار، فلما بلغه ذلك ركب في الحال وتدارك القصّاد وردّ كثيراً من الغوغاء عنهم بعض الردّ، ثم لحقه الأميران المذكوران فأوقعوا بالعوامّ وبمن حضر من المماليك، وجرت فتنة كبيرة مهولة من مشاهير الفِتن ارتجّت منها القاهرة، واشتدّ حنق السلطان في ذلك اليوم وغضبه.

حتى حكى لي بعض أصحابنا ممن كان حاضراً ذلك المجلس في هذا اليوم أنه لم ير منه [منذ] ولي السلطنة أشدّ غضباً منه في ذلك اليوم. وقبض على جماعة كبيرة من الجند بسبب ذلك وقطع أرزاقهم، وأحضر جماعة من العوام وضربهم بالمقارع وأبدع فيهم وفي جماعة من المقطَعين وأولاد الناس، ثم أمر ببيع ما نهبوه من القصّاد وبعث إلى القصّاد يعتذر إليهم، ثم استرضاهم بجملة كبيرة من المال ما لا يزيد عليه، وخلص لهم من المنهوب بعض شيء، وأذهب (٤) في هذه


(١) العنوان من الهامش.
(٢) في الأصل: "الاشراع".
(٣) في الأصل: "كامش".
(٤) في الأصل: "واذهبك".

<<  <  ج: ص:  >  >>