للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولما دخلوا حلب ونظروا إلى ما هم فيه من الغلّ والخذلان اقتحموا العَود إلى الأوطان، ولم يتوقفوا على إذن السلطان، فعادوا في خفية، شيئًا فشيئًا، وهم في أنحس الأحوال، منهوبون مسلوبون، بل من سلم منهم عادت فيهم المساءة الذين كانوا معهم، وسلموا حين الاختلاط وكثرة الخباط، فنهبوا منهم أشياء كثيرة، بل وقتلوا منهم من توسّموا أن معه المال، من استفردوا به، ثم صاروا يدخلون القاهرة على الأجهار بعد ذلك. وكان السلطان لما بلغه ذلك وجّه مكْس رأس نوبة الجَمْدارية لينفق في العسكر جامكية أربعة (١) شهور، وكذلك العليق، ونقموا، أعني من بقي منهم إلى أن يردّ عليهم ما يعتمدوه في أمرهم، ولا يزالوا بحلب، فعاد مكسى بعد ذلك في أواخر المحرّم من الآتية، بعد أن كادوا أن يقتلوه، وما خلّص يحيا إلّا بجهدٍ جهيد، بل أوسعوه سبّا ولعنًا، وربّما عرّضوا بذكر مُرسِلِه (٢).

[[إجمال حوادث السنة]]

وخرجت هذه السنة العجيبة في السنين، على ما عرفت، فيها من الفِتَن والشر ور، والحروب والحرور، والطاعون والفساد، وهلاك العباد، وخراب البلاد، وحصول الأنكاد، التي لا تكاد أن تُحدّ ولا تُضبط بعد، ليس بخصوص القاهرة، وملك تغيّر فقط، بل بغالب البلاد والأقاليم شرقًا وغربًا، من عِظَم الفِتَن والملاحم.

أمّا بهذه المملكة فقد عرفتَ ذلك بما فيه المقنعٍ، وأمّا غيرها فبلاد الشرق قد عرفتَ وتحقّقت قتلة القان الأعظم بو سعيد إجمالا، فقِس على ذلك التفصيل، وكيف يُقتل مثل هذا الملك.

وأمّا الغرب فالأندلس مشهور الأحوال لا يحتاج إلى دليل على بيان ما فيه من الفِتَن، وشرور الكفّار في الليل والنهار، بل والمسلمين بعضهم مع البعض.

وأمّا فاس وأعمالها، فقد أشرنا لك غير ما مرة ما كانت فيه من الفِتَن من قبل السبعين إلى بعد الخمس وسبعين، وما هم فيه بنو (٣) وَطّاس، من معاداة صاحبها السيد الشريف محمد بن عِمران، وتجرُّئهم عليه ومحاصرتهم إيّاه، ومنازلة فاس المرّة بعد المرّة، الكَرّة بعد الكَرّة وما هم فيه أهل فاس من البلاء بطول المحاصرة.


(١) في الأصل: "أربع".
(٢) خبر موقعة سوار في: إنباء الهصر ٧٧ - ٧٩، ووجيز الكلام ٢/ ٨٠، وتاريخ البُصروي ٣٨، ونيل الأمل ٦/ ٣٧٧، وبدائع الزهور ٣/ ٣٤.
(٣) في الأصل: "بني".

<<  <  ج: ص:  >  >>