للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مرة بمرض رديّ برك مع يَرَقان وحمْو كبِد، وعالجتُه العلاج التام، ولاطفته ملاطفة جيّدة، فأنَجع ذلك وبرأ، وحصل له الشفَاء، فزادت محبّته لنا، واعتقاده فينا. سمع منه بيتين أنشدهما له، وهما لغيره، أولهما:

يقولون لي في مدح موسى بديهة … فقلت لهم: قد دكّ طود البديهة

ولما عاد المؤلّف إلى القاهرة كتب إليه نظمًا أوله:

أزكى سلام بنشر المسك والعود … يخصّ طلعَتَك العَلْيا بتحديد (١)

وجالَس بمنفلوط قاضي الوجه القِبْلي "أحمد بن محمد بن صدقة" المعروف بالدُلَجي، وسمع من فوائده في السنتين اللتين أمضاهما بها، وكاتبه بعد عودته أكثر من مرة، كما سمع منه حين كان يأتي القاهرة، وكتب له المؤلف -رحمه الله - رسالة صدّرها بأبيات، منها:

يا سيّدي وأنيسي والصديق ويا … جاري القريب ويا عَوني ويا وَزَري

روحي وروحك أجنادٌ مجنّدة … تعارفا قبل رؤيا العين والبصر

ثم التقينا فكان الجسمُ مؤتلفًا … كأُلْفة الروح فادّكرت بالسُّوَرِ (٢)

ولم يذكر "عبد الباسط" سبب انتقاله إلى منفلوط وإقامته فيها تلك المُدّة.

[في الشيخونية ثانية]

وعاد، وسكن بالخانقاه الشيخونية من جديد عام ٨٨٣ هـ. فسمع به الأمير "بُرْدُبك السيفي جَرباش" المعروف بالمعمار، لقيامه على عمارة برج الإسكندرية، وعرف أنه يجيد اللغة التركية، وكان يرغب في إنسان من أهل العلم يحضر عنده، فبعث إلى أحد أصحاب "المؤلّف" -رحمه الله -، وهو من أهل العلم يُدعَى "تمر الفقيه" يتوسّله لإحضاره إليه، فلما حضر سأله أن يتعلّم منه ما ينفعه في دينه، كل يوم، فاعتذر بأنّ الطلبة الذين يتردّدون إليه ويقرأون عليه كثيرون، ولا يمكنه تبطيلهم. فرضي منه بثلاثة أيام في الأسبوع، ثم أحضر عدّة كتب وقال: قد اشتريت هذه الكتب من ترِكة "إينال باي الفقيه"، فتصفّحها "عبد الباسط" فرأى فيها الكثير مما لا يليق بالتُرك. فقال له الأمير: ما يليق بنا اجعله على حِدَة، وما لا، فعلى أخرى، ففعل. فقال الأمير: الذي لا يَصلُح لنا هو لك، وأمر بأن يُحمل معه إلى منزله نحو العشرين مجلَّدًا، فيها الكتب النفيسة (٣).


(١) المجمع المفنّن، ج ١/ ٥١٣، الترجمة رقم (٤٨١).
(٢) المجمع المفنّن، ج ١/ ٥٣٢، ٥٣٣، رقم (٥٠٥).
(٣) المجمع المفنّن، ج ٢/ ١٨٧ - ١٨٩، رقم (٩١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>