للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وما له هذا المؤرخ لشيء ظنّه كذلك، بل هو كذِب وافتراء ما علمت ما الحامل لهذا المسكين على ذلك، سامحنا الله تعالى وإيّاه.

ولما دخل الليل بات كلٌّ من العسكرين على ما كانوا عليه، وأمر الأتابك خشقدم في غاية الاستفحال والإقبال، وأمر المؤيَّد في غاية الوهن والإفلال والإنذار بالزوال خصوصًا وقد نزل عدّة ممن عنده إلى العسكر التحتاني.

وكان الخليفة والقضاة قد أحضروا في هذا اليوم إلى الأتابك بعد مبايعة البذل له واختياره، لكن ما وقع بينهم كلام في ذلك ولا إبرام في هذا اليوم غير إعلامهم باختيار الأتابك خشقدم وتسليم الخليفة والقضاة ذلك على وجه إظهار عدم المخالفة بأخرة من غير بتّ أمر شرعي بعقد المُلك إلى أن كان ما سنذكره بعد ذلك.

وبات المؤيَّد بالقصر مع قليل من جماعته، والأتابك بداره مع الجموع الموفورة حتى من لا عرض له في شيء من ذلك، بل حضر كالمضطر أو الخائف على نفسه أو غيرها بأخرة أو الآن، وكذلك جميع أعيان الدولة والمباشرين الكل حضور، وباتوا بهذه الدار مستعدّين (١) للقتال في الغد، وكان سبيل المؤمني قد أخذ قبل غروب الشمس بيسير أو بعد دخول الليل، وبات به جماعة من العسكر وهم مستعدّون (٢) يحرسون وعليهم بيبرس الطويل (٣)، وكان ما سنذكره.

(ذكر اليوم الذي تسلطن فيه الظاهر خشقدم) (٤)

وفيه، في يوم الأحد تاسع (٥) عشره، أعني شهر رمضان، كانت سلطنة الظاهر خُشقدم والمبايعة العامة له، وعقد الملك والجلوس على سريره وتلقيبه بالظاهر وتكنّيه بأبي سعيد، وخلع المؤيَّد بن الأشرف وزوال ملكه، وكان من خبر ذلك أنه لما طلع فجر هذا اليوم ظهرت فترة همّة المؤيَّد وقصور عزمه لقلّة عدده وناصره، وأخذ كل أحدٍ ممن عنده من جماعته وحزبه ومن عنده من الأعيان، وقد عرفتَ مَن هم وما حالهم في عمل مصلحة نفسه خوفًا من عدوّه، فمنهم من أذعن لخُشقدم، ومنهم من يجهّز للهروب، واتفقوا على ذلك في نفوسهم من غير إظهار ذلك، لكنْ بإمارات تلوح دالّة على ذلك، بل وصرّح الكثير منهم بذلك، وبلغ


(١) في الأصل: "مستعدن".
(٢) في الأصل: "مستعدن".
(٣) انظر عن محاربة السلطان المؤيد في: النجوم الزاهرة ١٦/ ٢٣٧ - ٢٤١، ووجيز الكلام ٢/ ٧٣٨، ونيل الأمل ٦/ ١١٠، ١١١، وبدائع الزهور ٢/ ٣٧٦، وأخبار الدول ٢/ ٣١٦.
(٤) العنوان من الهامش.
(٥) في الأصل: "سابع" والمثبت من نيل الأمل ٦/ ١١١ ومما سيأتي لاحقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>