للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فبدر الفاضل ابن (١) الرزين وأنشد ارتجالًا وأنا أسمع ذلك:

يا خليليّ قِفا واعتبِرا … كيف ماس الزرعُ حُسنًا واسترد

وبدا منه غديرٌ أخضر … صنَعَتْ فيه يدُ الريحِ زَرَد

فلما سمع الباقون ذلك من بديهته أحجموا عن المقال، وسألتهم المرة بعد الأخرى في إنشاد شيء، فاعتذروا وبفضيلة الأول اعترافًا وقالوا: لا قدرة لنا على هذا النفس ولا القريب منه، وسألوا في الكف عنهم، ووقع لنا في ذلك اليوم من البسط والمذاكرة في العلوم والأدب ما أنشأنا بعض ما يجده. وكان يومًا معدودًا من الأعمار، سالمًا من الأغيار.

[استدعاء المسعود باللَّه ابن صاحب تونس للمؤلّف]

وفيه، في يوم السبت، تاسع عشرينه، بعث إليّ محمد المسعود بالله بن المتوكل على اللَّه عثمان صاحب تونس وليّ عهد أبيه يستدعيني إليه بالحضور إلى بين يديه، وكنت لم أجتمع به، وبلغه عني أنني أنظم أو نحو ذلك، فلما حضرت عنده أنس بي ورفع من محلّي، ثم أخذ يتلطّف بي في المؤانسة بالكلام، وأنشدته البيتين اللَّذَين (٢) مرّا في أول تاريخنا هذا عند ترجمتنا للمسعود هذا، وهما:

ألا يا آل حفص يا ملوكًا … ويا دُرّ حلى بهم نُظِمَت سلوك

ألا فُقْتُم ملوكَ الأرض طُرًّا … فما من بعدكُمُ أحَدٌ مليك

فأعجباه إلى الغاية وجاد وأثاب، جزاه اللَّه تعالى خيرًا، وكتب لي ظهيرًا بإعفائي عن المغارم واللوازم فيما أتّجر فيه، وتردّدت عليه المرة بعد الأخرى. واجتمعت به مرة وعنده الشيخ العالم الفاضل علي الكسلي من بلد العنّاب، الآتية ترجمته إن شاء (٣) اللَّه تعالى، فأخذ يسألني عن الشيخ يحيى العجيسي.

ثم انجرّ الكلام إلى مشايخه وما قاله بعض أشياخه من المقصورة التي أولها:

أنتم بقلبي وأنا أشكو النوى … إنّ حديثي لم يتُبْ في الهوى

فأنشدني منها جملة أبيات، وقال: هل رأيت مثل حسنها؟

فقلت له: إنني أعرفها.

فقال لي: العقل من همّة سيدنا أن يتفضّل عليّ بنظم مثلها، وكأنه قصد بذلك


(١) في الأصل: "بن".
(٢) في الأصل: "الذي".
(٣) في الأصل: "شا".

<<  <  ج: ص:  >  >>