للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولما عاد السلطان من بعض ركباته بَدَر هذا بالمشي أمامه في هيئة السُعاة، وهو يدعو له بتلك الدعوات، وليس ذلك من عوائد السلاطين، ولا أن يفعل ذلك أمامهم في مواكبهم، فظنّ السلطان أن هذا من مشاهير السُعاة، فحنق معه وغضب غضبًا شديدًا، وقال: وسّطوا هذا، فبدر إليه جماعة لمسكه، فصاح بأعلى صوته: الله ينصرك يا مولانا السلطان واللهِ واللهِ وحياة (١) رأس مولانا السلطان ما توسّطتُ في عُمري قط. فضحك منه السلطان وسكن ما به، ثم كلّمه بعض من حضر بأنه إنما قصد بذلك التطفّل والتحيّل، وذكر له حاله وفقره، فأمر له بعشرة دنانير.

(كائنة أصباي البوّاب) (٢)

وفيه، في هذه الأيام كانت كائنة أصباي البوّاب، أحد مماليك السلطان وخواصّ خاصكيّته المقرّبين عنده، وهي أنه جمع جماعة من الحاكة فرسّم عليهم موكّلًا بهم، حتى رمى عليهم شيئًا من الأطرون بثمن سمّاه هو واختاره يتشهّى نفسه، فشكوه للسلطان، فأمر مقدّم المماليك أدن يخلصهم من أصباي المذكور، فمال المقدَّم مع أصباي وراعاه، خوفًا من شرّه، فبعث بالجماعة مع قاصده إليه، احتشامًا معه على العادة عندهم في مثل ذلك، مستبعدًا أن يقع منه في حقّهم شيء (٣)، وقد بلّغوا السلطان، فساعة وقوع بصره عليهم أمر بضربهم، فضربوا ضربًا أشرفوا منه على الهلاك، ثم ما كفاه ما فعله بهم حتى جاء بهم إلى تمُر الوالي وأمره بضربهم وإشهارهم، فامتنع من ذلك لِما رآهم فيه من الحال، فلا زال به حتى أجابه لإشهارهم، فشُهّروا على الإجهار على حمير لعدم قدرتهم على المشيء من كثرة ما حلّ بهم من الضرب وهم يُنادَى عليهم: هذا جزاء من يشتكي مماليك السلطان. وقد بلغ الناسَ ذلك، فأخذوا في التأسّف عليهم، بل وتباكوا عليهم. ثم بينا هم في أثناء إشهارهم إذ مات أحدهم، وداموا به في الإشهار على الحمار، وهو مكتوب عليه: ميت، على ما أشيع ذلك. ثم مات آخر بُكرة هذا اليوم، فعند ذلك انطلقت الألسُن بالصياح، واجتمعت الغوغاء من العوامّ وغيرهم. وحُمل الميّتان في تابوتين إلى تحت القلعة. فرأى السلطان وهو بالقصر هذه الغَوشة العظيمة، فأُخبر بالحال، وبينا هو في ذلك إذ نزل جماعة من الجُلبان من الطباق حميّةً لأصباي، فعادوا على العوامّ وعلى من حضر، وحملوا على الخلق حملةً واحدة، وأرادوا أخذ القتيلين منهم.


(١) في الأصل: "وحيات".
(٢) العنوان من الهامش.
(٣) في الأصل: "شيئًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>