للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[[فساد الحال أيام يلباي]]

وأشيع بأن جميع هذه الآراء المضافة إلى الظاهر يَلَباي ليس له فيها دخل، بل هي صارت عن رأي خيربك وطائفة، لا عن نفس السلطان باختيارٍ منه، وإنّما هو مضطر إلى ذلك خوفًا على نفسه، وكُسر ناموس السلطنة جدًّا في هذه الأيام، وزاد تهكّم العوام، بل وزادت الشرور، وكثُرت الفِتن، وعظُم البلاء والفساد بالنواحي والبلاد، ودارت لفظة "أيش كنت أنا، قُلْ لُو" بهذه العبارة بين العوام، ويعنون بذلك السلطان، ويشيرون إلى أنه لا أمر له ولا نهْي، بل ويصرّحون بذلك تقريعًا وتنكيتًا. وكانت أيامًا عجيبة في بهدلة السلطنة وقوّة شوكة الظاهرية الخُشْقَدميّة، وتضاعف الضرر بالناس، حتى كشف الله تعالى تلك الغُمّة عن قريب، وزاد الحمد للَّه والشكر على ذلك على ألْسِنة العوام. وزال مُلْك يَلَباي كأنه لم يكن، أو كاد أنه ما كان لعدم التمكّن والإمكان، وضعف القوة والسلطان.

ويقال إنه كان- أعني الظاهر هذا- يُسِرّ إلى إخِصّائه بأن الأشياء الصادرة لا عن آرائه، وأنه محجور عن التدبير والاستبداد بالأمر، وأنه كالمجبور على ما يضاف إليه، وأنه لو استبدّ بالأمر لفعل وفعل، ويذكرون عنه أشياء حسنة كان في قصده أن يصدر عنه، وذلك مما يُنبيء أنه كان في قصْد حَسَن، وفيه خير للمسلمين، فلعلّ لأجل ذلك عاجَلَ الله تعالى أخذه، ولم يهيّئ له أسباب الاستبداد، حتى يتمّ فساد هذا العالم، فإنه المسكين ما ظهر منه نتيجة من يوم سلطنته إلى يوم زواله.

(ضيافة أُزبك وخروجه إلى نيابة الشام) (١)

وفيه، في يوم الأحد، سابع عشره، بعث السلطان بطلب أُزبَك نائب الشام إلى ضيافةٍ هيّأها له في هذا اليوم، واحتفل بها، وكانت ضيافة هائلة، حضرها أُزبُك المذكور عند السلطان بالبَحْرة. ولما انتهت الضيافة خلع عليه، ونزل مبيِّتًا على سفره في الغد، وكان نزوله من هذه الضيافة إلى داره بأُبّهة زائدة، ثم أصبح من غده في يوم الإثنين ثامن عشره، وهو مبرّز للخروج من القاهرة لمحلّ كفالته، فطلّب تطليبًا هائلًا، وعُمل له الموكب بالقصر، وجلس السلطان بالشبّاك الأعظم الذي بالقصر لرؤية خروجه بطُلْبه، واجتيازه بالرُميلة تحت القلعة، ومرّ الطُلْب شاقًّا الرملة بأبّهة زائدة وتجمّل عظيم، وتوجّه إلى الريدانية، فأقام بها ثلاثة أيام، ثم استقلّ بالمسير إلى جهة دمشق (٢).


(١) العنوان من الهامش.
(٢) خبر ضيافة أزبك في: النجوم الزاهرة ١٦/ ٣٦٥، وتاريخ البصروي ٢٩، ونيل الأمل ٦/ ٢٩٣، وبدائع الزهور ٢/ ٤٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>