للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المذكورة، فأنزل إليها وأُغلقت عليه، وخُلّي بعمله، وزال ملكه كأنه لم يكن. فسُبحان من لا زوال لملكه، وبقاؤه (١) الحيّ القائم الأبدي. ولم يتأسّف الناس لفقده في هذا اليوم تأسّفًا كثيرًا بذاك. نعم تأسّفوا عليه بعد سلطنة يلباي لِما وقع من الأمور برأي خيربك وذويه، حتى عظُم فَقْد خُشقدم حينئذٍ على بعض الناس.

وقد قدّمنا شيئًا من ترجمة خُشقدم هذا عندما ذكرنا سلطنته، وبقي ما يتعلّق بأوصافه، وسنذكر ذلك في ترجمته أيضًا في وفيات هذه السنة إن شاء الله تعالى.

(ذِكر سلطنة الملك الظاهر يَلَباي) (٢)

وفيه- أعني هذا اليوم الذي هو السبت عاشر ربيع الأول- كانت مبايعة الأتابك يَلَباي بالسلطنة، وعقد المُلك له بعد موت الظاهر خُشقدم والفراغ من تجهيزه وبعثه إلى تربته، ووقع ذلك خلاف العادة فكان من النوادر، فإن العادة جرت أن لا يتكلّم في تجهيز سلطان إلّا بعد سلطنة آخر، ثم يسرعون بعد ذلك في الأخذ في تجهيز الميت. ولعلّ ما وقع الآن خلاف العادة هو الأقرب لموافقة الشرع، كون المأمور فيه بالإسراع بتجهيز الميت، لا سيما وقد أجمع من أجمع على سلطنة يَلَباي. ولما صُلّي على الظاهر خُشقدم وأنزل نعشه، شرع الحاضرون في عقد السلطنة ليلباي، وكان قد انبَرم أمره في المُلك من ضحوة النهار، على ما قدّمنا ذلك. وكان القائم بسلطنته خيربك وذووه (٣)، ثم تبعه الأمراء وغيرهم، ولما أذعن له الجُلبان الخُشقدميّة، لم يختلف عليه أحد لعِظَم شوكَة الجُلبان يومئذٍ خصوصًا، وقد اختاروه لوجوهٍ منها: كونه قديم الهجرة، وأيضًا فإنه أتابَك العساكر ورتبته السلطنة على ما جرت به عادة هذه الديار غالبًا، فلا تقدَّم عليه غيره. ومنها كونه خُشداش السلطان، وهو الذي أنشأه ورقّاه، فلا شك في اطمئنان الجُلبان به، ثم صارت الظاهرية الجقمقية تبعًا للجُلبان لأنهم معهم في الأمور. وأمّا الطائفة المؤيّدة (٤)، فعلى رأي مثل العوام طبل طبْلُهم وزَمَر زمرُهم، وبلغوا مُناهم لأنه خُشداشهم. وأمّا الأشرفية البَرْسْبائية والإينالية فعلى ما هم عليه، غاية ما في الباب قد زال عنهم خُشقدم وهو غاية متمنّاهم، وفي ضمائرهم أشياء لا يمكنهم إظهارها في هذا الوقت.

ولما فُرغ من الصلاة على خُشقدم عاد الأتابك يَلَباي والأمراء إلى جهة باب الستارة من الحريم السلطاني، فجلسوا به جلوسًا خفيفًا، وبينا هم على ذلك إذ


(١) في الأصل: "وبقائه".
(٢) العنوان من الهامش.
(٣) في الأصل: "وذويه".
(٤) في الأصل: "المؤيد".

<<  <  ج: ص:  >  >>