للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خرج خيربك الدوادار الثاني رأس الخُشقدميّة إذ ذاك وكبيرهم، وكان في صحبته جماعة من خُشداشيه الظاهرية، فجاؤوا إلى يَلَباي وحكّموه في الدخول معهم إلى القصر، فقام معهم وأخذوه، ومضوا به من الحريم إلى القصر، وخاطبوه بالسلطنة، وهو يُظهر بعض امتناع ليس بذاك، فأجلسوه وما التفتوا إلى ما أظهره من الامتناع، ثم بعثوا إلى الأمراء ليحضروا إلى القصر من خارج، فلما جاؤوا (١) إلى باب القصر وجدوه قد سقط، ولم يجدوا مخلصًا للدخول إليه، لكونه ارتدم بما سقط من الحجارة والأتربة، بحيث غلق، بل سدّ أصلًا رأسًا، ولا يمكن الدخول منه، ولهج الكثير من الناس ممن بلغهم ذلك بزوال يَلَباي، وتفايلوا بأنه لا يطول أمره في السلطنة، وأن عدّته قصيرة، وكان كما تفاءلوه وقالوه على ما ستعرفه إن شاء الله تعالى، ولما لم يمكن الأمراء ولا من حضر الدخول إلى القصر من بابه احتاجوا أن دخلوا إليه من الإيوان هذا، والخليفة لم يحضر بعد، فبعث إليه بطلبه، وجلس الأمراء لما دخلوا قبل مجيء الخليفة عند الأتابك يَلَباي، بعد أن قبّلوا الأرض بين يديه، كما لا يُفعل للسلطان، وذلك قبل المبايعة العامّة، وزاد الهَرَج وهم في انتظار الخليفة والقضاة، وطال جلوس الأمراء إلى [أن] حضر الخليفة والقضاة، فما وصلوا إلى القصر إلّا بعد مشقّة، لأجل خراب بابه، والامتناع من دخوله إلَّا من الإيوان، ثم تشاغل الفكر أيضًا بلباس قماش المذهب وما فرغوا من ذلك، وتكامل الحال إلّا والنهار على فراغ، وشرعوا حينئذٍ في بيعة يَلَباي. وعقْد المُلك له، ولهج الكثير من الناس أيضًا بالتفاؤل (٢) بزواله سريعًا، لكونه ولّي في هذا الوقت الضيّق والنهار على فراغ. ولما تمّت البيعة العامّة له من الخليفة والقضاة، وحكم بصحّة سلطنته، وبايعه الأمراء، أحضر حينئذٍ شعار المُلْك الخلعة الخيلفتي السوداء، فأفيضت عليه، ثم رُفع من مكانه إلى سرير المُلك، فأُجلس عليه، ووقف الكل بين يديه. وتمّ أمره في القصر في السلطنة من غير موكب سلطاني بالمركوب، وحُمل القبّة والطير على رأسه، وعُدّ هذا من نوادره، ولُقّب في سلطنته بالظاهر أيضًا، وكُنّي بأبي سعيد. ووهم من قال: أبو النصر. وكان هذا اللقب باختيار الظاهرية الكبائر الجقمقية والصغار الخُشْقَدميّة أيضًا. وكان جلوسه على تخت المُلك قبل غروب الشمس بنحو الخمس درج أو دونها. وحين تمّ أمره خلع على تمربُغا بالأتابكية، عِوضًا عن نفسه، نقلًا إليها من إمرة مجلس، ثم خلع بعده على الخليفة المستنجد باللَّه، ودقّت البشائر بسلطنته، ونودي في شوارع القاهرة بها، وطُلب الدعاء له (٣).


(١) في الأصل: "جاوا".
(٢) في الأصل: "بالتفال".
(٣) خبر سلطنة يلباي في: النجوم الزاهرة ١٦/ ٢٦٧ - ٣٧٣، ومنتخبات من حوادث الدهور ٣/=

<<  <  ج: ص:  >  >>