للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويقال إن ذلك كان قبل جلوس السلطان بالقصر، فقاتلهم العوامّ، وتكاثروا عليهم حتى هزموهم على أقبح وجه، وكثُر صياح الناس وقولهم: ما يحلّ. وكان وقتًا هائلًا ولحظة عظيمة، فتلايق بأن أحضر أصباي، وأمر خيربك الدوادار الثاني أن يتسلّمه، وينزل به إليه، ويتلطّف بهم، ويخبرهم بأن السلطان يضربهم في المقتولَين. إمّا يقتل أصباي إن اختار أولياؤهم ذلك، أو بديةٍ برضاهم تُرضيهم، وأن يوسع خيربك الحيلة بكل ما أمكنه في تسكين هذه النائرة الثائرة، ويذكر لهم أن أصباي في الترسّم عنده إلى أن يكون ما يختاره أولياء المقتولَين، فنزل خيربك، وتلطّف بالقضيّة حتى سكن الحال، وأخذ القتيلين إلى داره فجهّزهما وأمر بدفنهما.

ولما أصبح السلطان من الغد قبض على صاحب النطرون، وأسلمه لتَمُر الوالي، وأمره بتسميره وإشهاره، ثم توسيطه، فوُسّط، ثم ذهب أصباي إلى داره، وتردّد إليه خُشداشيه للسلام عليه وتهنئته بسلامته. ثم أمر السلطان أن يُنادى بشوارع القاهرة، بأن أحدًا لا يتجاهى بالخاصكية، ولا يقف على بابهم، ومن فعل ذلك أو احتمى بواحدٍ منهم لا يسأل ما يجري عليه، ويشق أن آخذ بغير معاودة. فسكن الحال يسيرًا، وركدت الفتنة شيئًا، وانكفّ الكثير من الجُلبان، وحصل بعض فُسحة من ذلك الجهد العظيم والبلاء الذي كان في الناس بواسطة الجُلبان وتسليطهم على الناس وأذاهم، وهذا كله من شرور أنفُسِنا وسيّئات أعمالنا، نعوذ بالله من ذلك.

ثم لم يزل خيربك يتلطّف بأولياء المقتولين حتى صالح عنهم بألف فى ينار، ورضوا بذلك فأقبضها إيَّاهم، وكتب بذلك سِجِلًّا محكومًا فيه، وعمل ما يجب عمله في مثل ذلك شرعيًا. وطلع بالأولياء إلى السلطان فطيّب خاطرهم بعد أن قال لهم: أمّا أنتم فَقد أخذتم حقكم من أصباي، وبقي حقي أنا. ولما بلغ أصباي ذلك اختفى مدّة، ثم ظهر بشفاعة البعض، لكنّه انجمع عن الناس بالكلّية. لا جوزي خيرًا (١).

وستأتي ترجمة أصباي هذا في سنة وفاته إن شاء الله تعالى.

[[نزول السلطان للرماية]]

وفيه، في يوم السبت، سابع عشرينه، نزل السلطان للرماية، ثم عاد شاقًّا القاهرة مثل ما تقدّم قبل ذلك فيما مرّ.


(١) كائنة أصباي في: نيل الأمل ٦/ ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>