للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العسكر، وكان به نائب الشام، ونائب حلب، (ونائب طرابلس، وجموعهم المصافّة إليهم من عساكر البلاد الشامية) (١) وآخرون (٢)، فحلّ بهم الرعب الشديد الذي ما عنه مزيد، وزعموا هلاك من تقدّم بأسرهم، فبدر العسكر بالنهوض مسرعين، وركبوا بعد أن تأهّبوا للقتال، ثم التقوا في الحال، ووقعت الحرب بينهم، وفرّ العسكر التركماني ثلاث مرات، ثم بكّروا في كل مرة، حتى كانت الثالثة فكرّوا فيها جملة واحدة حملة رجلٍ واحد، بعد أن حرّض بعضهم البعض، وصدموا العسكر المصري من الشاميّين وهزموهم، فولّوا الأدبار لا يلوي أحد على أحد، وركب التركمان أقفيتهم نهبًا وسلبًا، وقتلًا وأسرًا، وأخذوا جميع وطاقاتهم وما كان معهم، واستولوا على ذلك جميعه، واستمر النواب في هزيمتهم تلك حتى دخلوا إلى حلب على أقبح حال، ولم يعلموا ما جرى للعسكر المصري، وأنهم لما دخلوا حلب تربّصوا بإرسال الجُند يومين، فلم يبلغهم شيء (٣) فبعثوا به إلى القاهرة، وكان هذا من أخبار قانصوه (٤).

وأمّا ما جرى لأولئك وتمام هذه الكائنة فسيأتي أيضًا.

(ذكر ما كان من القلق بعد ورود خبر كسر العسكر) (٥)

ولما ورد هذا الخبر إلى الديار المصرية كادت أن تموج بأهلها، بل وحصل من ذلك الاضطراب الشديد والهمّ الذي ما عنه مَزيد، وماجت الناس، وانزعج السلطان من ذلك، وقلِق القلق الذي ما عنه مزيد، بل كادت روحه تزهق من قهره وغبنه، مع ما في هذا الخبر من انتظار لخبر آخر بأخبار أحوال العسكر المصري، وعلم كل أحد بأنه لا خير في هذا الخبر، بل ولا يعقبه ما يسُرّ عن المصريّين، غير أن بعض الناس أخذ في إشاعة أشياء لا طائل في إشاعتها، لأن الخبر أعقب بعد ذلك بضدّها، وعظُم هذا الأمر على السلطان وغيره، لا سيما وقوع هذه الفعلة من مثل هذا التركمانيّ الذين كانوا لا يعدّونه شيئًا ولا يؤبه إليه، بل ويقولون هو أقلّ رعياننا وخادم أعتابنا، وكانوا يرون أنه ليس بشيء بالنسبة إلى ما وجّهوا إليه من العساكر، وحار السلطان في أمره، والغمز في بحر فكره، لا سيما إذا رأى إلى ما ذهب من الرجال والعساكر والأموال، وأعظم من ذلك ذهاب الحرمة، وكسر ناموس هذا الملك، فلم يكن دأبه إلّا أنه أخذ في الحال يأمر الأمراء والجند أن


(١) ما بين القوسين عن الهامش.
(٢) في الأصل: "واخرين".
(٣) في الأصل: "شيئًا".
(٤) خبر كسر العسكر في: نيل الأمل ٦/ ٣٢٧.
(٥) العنوان من الهامش.

<<  <  ج: ص:  >  >>