للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

المؤلّف ناقدًا

ولم يكن مؤلّفنا مجرّد ناقل ومقتبس من كتب غيره ممّن سبقوه، أو جمّاعة للأخبار، بل كان مؤرّخًا، ناقدًا، مناقشًا، صاحب رأي فيما ينقله ويدوّنه. وهذا نجده واضحًا في تاريخه هذا، إذ نراه يعلّق على رواية ذكرها "ابن حجر" في شهر ربيع الآخر سنة ٨٤٩ هـ. وهي أنّ السلطان الأشرف قايتباي عيّن "يونس البوّاب" الدوادار أن يكون مسفّرًا لنائب حلب قانباي البهلوان يحمله إليها من حماة، وخلع على يونس بذلك، فقال المؤلّف "عبد الباسط"؛ "وسهى (كذا) الحافظ ابن حجر - رحمه اللَّه - لما ذكر هذه القضية فقال: وتوجّه - أعني يونس بنائب حلب بطّالًا إلى القدس، ولعلّه قصد أن يفصل ذلك أولًا، وما أظنّ إلّا أنه أشيع، فنقله الحافظ على الإشاعة، ولم يقع ذلك. وكذا سهى (كذا) في نائب حلب قانِباي لما ذكر عزله، فسمّاه جُلبان، فإنه قال في تاريخه: وفي هذا الشهر عزل نائب حلب جُلبان. ولم يكن إلّا قانباي هذا. ثم ذكر الحافظ المذكور في تاريخه بعد ذِكره هذه القصة بأسطُر أنه يقال إنّ السلطان قرّر في تقدمة شاد بك دولات باي الدوادار الثاني، وقرّر الشهاب أحمد حفيد إينال اليوسفي في الدوادارية الثانية. وهذا أيضًا لم يقع، فيُحمَل على أنه قيل له ثم رجع عنه إلى ما قلناه، فعلّقه الحافظ في وقته، ثم لم يحرّره، فإنه كان فيما هو بصدده، وكان التاريخ فضلة عنده ولا يتفرّغ لتحريره، رحمه اللَّه تعالى" (١).

وانتقد "ابن تغري بردي" نقدًا لاذعًا في أكثر من موضع في "الروض الباسم" أيضًا، وأتّهمه مرة بالسفالة وقلّة الأدب والحياء وعدم المعرفة، ومرّة بجمود ذهنه، وأخرى بأنه فضوليّ يقول كلامًا لا طائل تحته، وأنه يتوهّم بل يكذب.

ففي ترجمته للمؤرّخ "تقيّ الدين المقريزي" نقل أقوال المؤرّخين في نسبه إلى أن وصل إلى ما قاله: "ابن تغري بردي"، فعلّق عليه بجملة طويلة، فقال: "وقال الجمال بن تغري بردي، رحمه اللَّه، في ترجمته: وأملى عليّ نسبه الناصريّ محمّد ابن أخيه بعد موته، إلى أن رفعه إلى علي بن أبي طالب،


(١) الروض الباسم، ١/ ورقة ٣٤ ب، وقارن بإنباء الغمر ٤/ ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>