هذا ما سمعته مستفيضًا بتونس وأنا بها. وأمّا في هذه البلاد فلم نعرف بهذه القضية.
ولما قدم الركب وحجّ أقام البيدمُري بهذه البلاد، وتنقّلت به الأحوال بها إلى أن وُلّي القضاء المالكية بدمشق، ثم آل به الحال إلى أن دخل في قضيّة مما تتعلّق بأبي الخير النحاس أدّته إلى أن أمر الظاهر الوالي بأخذه والتوكيل به بالشَرطة، وحمله إلى مجلس القاضي المالكي، وادّعى عليه مدّع عن السلطان بأنه التزم له بمائة ألف دينار أو أكثر عن أبي الخير المذكور، فأجاب بأن الدعوى صحيحة وأنه التزم ذلك بشرط أن يعاد النحاس إلى ما عيّنه البيدمُري من الوظائف، ولم يقع ذلك، والالتزام بالشرط لا يصحّ إلّا عند وجود الشرط ووقوعه، وما لم يقع فلا يقع للشروط ولا يلزمني بشيء، واستشاط وغوّش، فلم يُلتفت إلى كلامه. ثم آل به الأمر أن أُحضِر بين يدي السلطان، وامتُحن بالضرب، وأشيع عنه بأنه وقع له بدمشق كائنة، وأُحضِر عليه بذلك محضر، فضرب ثانيًا وبُهدل إلى غاية ما يكون، وطالت عليه الخطوب وسُجن، ثم آل به الأمر أن بُعث موكَّلًا به إلى ثغر الإسكندرية في سلسلة حديد، وأُخرج منفيًّا في بعض المراكب إلى تونس، وهو مقيم بها إلى يومنا هذا، وقد رأس بها ووجُه، ووُلّي عّدة وظائف سنيّة، منها نظر الحبْس، وهي الأوقاف، ونظر الجامع الأعظم، المعروف بجامع الزيتونة، والتدريس بالمدرسة المستنصرية بتونس، ثم وُلّي كتابة الحبس، ثم قضاء المحلّ، أعني العسكر السلطاني بتونس إلى غير ذلك. وله قرب واختصاص عند صاحب تونس، وهو الآن من أعيان تونس وأكابرها.
حضرتُ درسه بالمستنصرية بتونس، وسمعت الكثير من فوائده في سنة سبع وستين، وأنِس لي وصار يسألني عن أخبار هذه البلاد.
وهو ذات حسنة بسمتٍ حسن وبشاشة، وطلاقة وجه، [و] حُسن المحاضرة والمذاكرة من أهل العلم والفضل.
وستأتي أخباره في قصّة النحاس في سنة ست وخمسين (١) إن شاء اللَّه تعالى.
[[خروج الحاج من القاهرة]]
وفيه، في يوم السبت سابع عشره، خرج الحاج من القاهرة إلى البركة على
(١) ضاعت حوادث سنة ٨٥٦ هـ. من المخطوط. وقصّة النحاس باختصار في: نيل الأمل ٦/ ٣٦٤، ٣٦٥.