للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بأن الناس قد رضوا بهذا الجور العظيم، وارتضوا به من العذاب الأليم، فلم ينسب إلينا ويخرج عنّا، فنحن أحقّ به من الغير، فاختصّوا به، وأخذوا في زيادة سببه على ما هو ظاهر لجميع الأنام، فلا جَرَم فتح اللَّه تعالى ما يقلقهم ويشغلهم، كيف لا وقد زادوا في المظالم، على أن بعض الأموات من الفقراء يموت ولا قريب له، فلا يجسر أحد من الخلق على أن يتكلّم في دفنه خوفاً من تعلّق الطلبة عليه، بل يلي إنسان بدهليز الإمام الشافعي بعد موته نحو اليومين، فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، إنّا للَّه. وبجملة هذه المقتضيات فتح اللَّه تعالى عليهم أبواب الفِتن، ما ظهر منها وما بطن، وغرامة الأموال في إنفاذ العساكر من أول سلطنة هذا السلطان، وإلى هلُمّ جرّاً من الزمان إلى يومنا هذا في هذا الآن، فصاروا كلّما قاموا قعدوا، وكلّما دئروا دمّروا. ولقد غرم من الأموال أضعاف ما قطع من الأرزاق، وجمع من الأموال أيضاً فوق ما يقال. وحصل التخليط الكبير الذي لعلّه لم يقع لغيره من السلاطين، فكان عقله وفكره يحدّثه بتحسين ذلك، ليكون له عوناً في حادثة تحدث، وهو مترقّبها لعلمه وحزمه بأنه طمع فيهم الطامع، وزال المانع، وتفتّحت أعين الناس من الملوك النائية بالبلدان الناحية على هذه المملكة، لا سيما والأراجيف بزوال الأتراك، ودولتهم عمّالة، خصوصاً من غير المنجّمين وأهل التقويم، بل من غالب أهل العلم القائلين، بأن عادة اللَّه تعالى جرت في مثل هذه التغيّرات بتغيّر الدول، ومن القائلين بأن الاستقراء يشهد به زوال (١) الدولة عند انقضاء القرن من ابتدائها أو دون ذلك.

وأمّا أهل التنجيم والتقويم ونحوهم، فخُذْ من كلامهم وأكثر، لا سيما والقرانات لهم شاهدة على ما يزعمون مكانة مآل لتحصيل المال، ليكون له عوناً عند دهوم الخطب للزوال، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة الحال، نسأله إلهامنا رشدنا، وأن لا يسلّط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، بمنّه وطوله، وقوّته وحَوله، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، المورّطة لنا (٢).

[[تفرقة الجامكية بحضور السلطان]]

وفيه، في يوم الإثنين، عشرينه، جلس السلطان على الدكة ليحضر تفرقة الجامكية بنفسه، بعد أن قدّم لهم العلم بأنه يحضرها، بل دام ذلك دأبه إلى يومنا هذا، ثم فُرّقت بين يديه على النفقة المشروحة فيما قدّمناه في يوم الخميس. ولا


(١) في الأصل: "زال".
(٢) خبر انعقاد المجلس في: إنباء الهصر ٣٣ - ٣٧، ونيل الأمل ٦/ ٣٥٣، وبدائع الزهور ٣/ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>