للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السلطان، مع تسليط الخدمة والأعوان، ومعارضة ذوي الإرث من العَصبات وغيرهم، ويقال لهم: أثبتوا أنكم من أهل الميراث، فيأخذون إرث من لا جاه له ولا معين، ولو كان أقرب الأقربين، ويصالح الغالب من الورّاثين (١) على أقلّ من نصف إرثه إن ثم معين، وتؤخذ أغنام تجار الغنم بالأجل، ثم يُحالوا على الهوافي من الأشياء بالخجل، ولا يحصل للناس (٢) على الطائل. وزاد هذا الفساد، وعمّ الأنام والبلاد، إلى أن آل المُلْك لهذا السلطان، أخذ في أسباب موجبات هذه الأمور، فأول ما بدأ به (٣) ما ذكرناه حتى جلاه، وبلغ فيه لأقصى مُناه، لكن مع ما ذكرناه، لو قُطعت تلك المظالم، وزالت تلك المغارم، لكان غير آثم، بل لنال السعادة والحُسنَى وزيادة، في العاجل والآجل، ونال الفضل الطائل، بل قطع هذه الأرزاق وأبقى تلك المظالم، وزادت بواسطتها عليه المآثم، بل ترادفت الزيادة فيها، وكلٌّ إليه يجيبها. وكان أولاً قد كثُر في حقّه القال والقيل، فمن الناس من نسبه إلى الظلم العظيم، ومنهم من نسبه للعدل العميم، فاستند الأولون بأنه قطع أرزاق الأنام، وذهبت عينه لما في أيديهم من أقطاع، وقد كانت القضايا في أيام من رتّبها جارية على أحسن نظام، ولا كانت، بل ولا فاضت الفِتن، ولا القبائح والمِحن، ولا كانت شرور ولا حرور (٤)، وكانت الناس في خفير الفقراء من أهل هذه الرواتب، وشبع الجياع، وقوي الضعفاء، وقلّ السائل، وزادت أسباب الخير، وكثُر العلم والعلماء والطلبة في تلك الأيام. وكانت الناس بخير، واستند القائلون بأن هذا من باب ( … ) (٥) والعدل بأن هذه المرتّبات أفسدت الأحوال، ودخل بسببها الرهان في بيت المال، وصار من لا استحقاق له فيه بالكلية يأخذ منه ما لا يُحصى كثرة، مع استغنائه عنه، بل كان ذلك سبباً لكثير من الفسق والفساد، والطغيان، والعناد.

وكنت أنا أولاً من الفريق القائل بأن ما فعله هذا السلطان من الذي يجب عليه، بل ويُثاب عليه ويؤجر، ويُشتَهَر به عدله ويُذكر، ظانّاً أنه أراد بذلك حسم مادّة ما ذكرناه من المظالم، فلما تمّت تلك الأمور وتقرّرت وظيفته وتحرّرت، لم تُرفع من تلك المظالم ولا مظلمة، بل زادت ونمت، وعلت وعمّت، فعلمت أن ذلك محض نقمة وذريعة لقطع الأرزاق لإضافتها لأنفسهم وانفرادهم بها قائلين (٦)


(١) الصواب: "من الوارثين".
(٢) في الأصل: "لكناس".
(٣) في الأصل: "بداء".
(٤) في الأصل: "ولا كانت شروراً ولا حروراً".
(٥) كلمة مطموسة.
(٦) في الأصل: "قائلون".

<<  <  ج: ص:  >  >>