يتبرّموا مما هم فيه، لعجزهم عن حمل رواتب الجوامك والعليق واللحم، وكانت الملوك تردفهم بالأموال، بل وبالأقاطيع الزيادات، زيادة عمّا كان لهم من الجهات، وهم مع ذلك كله لا يزدادون إلّا عجزاً وتبرّماً، لكثرة الكُلف والطوارئ على العادة التي كانت قبل ذلك، وكل هذه إنّما حدثت في سلطنة الظاهر جقمق، فإنه هو الذي كان يرتّب هذه المرتبات.
ولما تسلطن الأشرف إينال ورأى الحال قد تجاز الحدّ، أراد أن يفعل ما فعله هذا السلطان الآن، بل وشرع فيه، فحُذِّر من عاقبة ذلك وخُوّف من الدعاء عليه، لكونه لا يقدر على أن يفرّق بين المستحق وغيره، وخُوِّف أيضاً من إثارة فتنة، فأحجم عن ذلك.
ثم لما تسلطن الظاهر خُشقَدم أقدم على ذلك أيضاً وقصده، ثم أمسك عنه لكثرة الأراجيف بالفِتَن في دولته واستمرارها، من يوم سلطنته ليوم موته.
وكان قد سأل الوالد في شيء من ذلك وماذا يشير به عليه، فاختشى الوالد من القالة: وأن يُنسَب إليه شيء من ذلك، فأجاب بقوله عليه السلام "إنما تُنصرون وترزقون بضعفائكم"(١)، فاستمر الحال على ما هو عليه. لكنْ أطلق السلاطين أيدي الأستادّارية والوزراء في الظلم، بل أذِنوا فيه دلالة، لأنهم كانوا يعلمون ويتحقّقون أن الدواوين لا تفي بكفاية ما هو مرتّب عليهم من هذه الكُلَف، إلّا بارتكاب المظالم، فصاروا يفسدون ويظلمون ويجورون مع العسف الزائد، ويأخذون ما لا يستحقّون، ولا يعفّون ولا يكفّون، وصار إليهم ولاية الكُشاف والولاة والمدرّكين، ومشايخ العربان وغيرهم، وكانوا لا يولّون الواحد ممن ذكرنا إلّا بمالٍ كبير يبذله لهم في ذلك، ثم يأخذهذا المتولّي في أسباب تحصيل ما بذله، فلا يحصل له بذلك إلّا الظلم الزائد وارتكاب المفاسد بالفِتن وخراب البلاد وهلاك العباد، فصار قُطّاع الطريق يُخيفون السُبُل، والسُرّاق والحرامية يسرقون ويتجرمون، والكُشاف والمشايخ عليهم يستحسنون، وليس لهم همّة في ما عدا جمع المال من الحرام أو الحلال؟ لسداد ما كُلّفوا به زيادة على جهاتهم، فآل الأمر في ذلك إلى ما آل.
وأما الوزراء فاحتاجوا إلى أخذ المكوس بالوجه العبوس، وتارة بالدبّوس، وتارة يأخذون جميع ما يجدون بأدنى مناسبة وأقلّ ملابسة، وهم يسمّون ذلك حق