للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الألم لأجل عمل المقرّر، وأعاد إليه بثانٍ من القُصّاد، وهو يتدخّل عليه ويخوّفه من عاقبة هذا الرأي، ففعل بقاصده الثاني كفعله بالأول وزيادة، فاضطر جاكُم للركوب بنفسه من الأفقُسيّة قبل اتساع هذه القضيّة عساه يعد لو كره ذلك، وجاء إليه، فلم يلتفت له ولا عرّج عليه، بل واستطال في حقّه بالقول في جماعته وأعيان قومه ومملكته، وبهدله بالفاحش من الكلام، فأخذ جاكم يتلطّف به، وكلّمه ثانيًا، فحنق جانِبَك منه، وضربه بشيء كان في يده، فسقط جاكم مغشيًّا عليه، ولما رأى ذلك من رجال جانِبَك أخذتهم الأنَفَة، لا سيما وهم بمملكتهم وبلادهم، فمدّوا أيديهم إلى جانبك ومن معه من المسلمين، وثارت فتنة كبيرة تقاتلوا فيها بالسيوف، وكان فراغ أجل جانبك من ذلك، وقُتل شرّ قتلة، وقتل معه خمسة وعشرون نفرًا من الجُند السلطاني. هذا ما كان من جاكم في كائنة قتل جانبك الأبلق على يد قاصده.

وكان اسم القاصد يعقوب، وأخذ جاكم يعتذر إلى السلطان غاية الاعتذار، وكذلك قاصده يعقوب، وذكر أن ( ......... ) (١) ملكها جاكُم وأنها في يده، وهو نائبٌ فيها عن السلطان حتى يرى فيها السلطان رأيه، وأنه بافي على الطاعة، ولم يكن يودّ أن يقع ما وقع. وأوسع يعقوب أيضًا الاعتذار، وما ذُكر من الاختلاف بعد هذا، أي قتْل جانبك فليس كما ذكر. والأقرب ما ذكرناه وحرّرناه، ولا التفات لِما ذكر عداه من الوجوه العديدة في ذلك.

ولما عرف السلطان بذلك وتحقّق الحال عيّن سودون المنصوري (٢) للخروج مع يعقوب قاصد جاكُم للكشف عن جليّة هذه الكائنة حتى يبني عليها السلطان ما يدبّره بعد ذلك. وتجهّز سودون هذا وخرج، ثم جرت عليه أمور يطول الشرح في ذكرها سنذكر شيئًا منها (٣).

[دخول المؤلّف مدينة قابس]

وفيه، في يوم الأحد خامس عشرينه، دخلت إلى مدينة قابس بالقرب من القيروان، فرأيت مدينة عجيبة، غير أنها خربت جدًا، وليس بها إلّا القليل من الناس والعمارة، فسبحان من لا يتغيّر.


(١) مقدار ثلاث كلمات ممسوحة.
(٢) مات (سودون المنصوري) سنة ٨٧٩ هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع ٣/ ٢٨٦ رقم ١٠٨٦، ونيل الأمل ٧/ ١٠٦ رقم ٢٩٦٣، وبدائع الزهور ٣/ ٩٩.
(٣) خبر كائنة جانبك الأبلق في: النجوم الزاهرة ١٦/ ٢٨٥، ٢٨٦، ونيل الأمل ٦/ ١٨٧، وبدائع الزهور ٢/ ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>