للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(قدوم المنصور عثمان الظاهري) (١)

وفيه، في يوم السبت، ثالثه، قدم إلى القاهرة الملك المنصور عثمان بن الظاهر جقمق، وكان قد بعث قبل ذلك يستأذن السلطان في الحضور، ليتوجّه إلى الحج في هذا العام، فأذِن السلطان له بذلك، فلما وصل صعِد من نهاره إلى القلعة، فنزل من على مركوبه من باب الفَرَج، ودخل على السلطان بالدُهَيشة، وكان جالسًا على المدوّرة، فحين بلغ المنصور ثُلُثي الإيوان، قام له السلطان من على المدوّرة، فأسرع المنصور في مشْيه تعظيمًا للسلطان، حتى وصل إليه وقد خرج هو عن مرتبة جلوسه خطوات، حتى التقيا، فأراد السلطان أن يعتنقه، فأهوى المنصور إلى ركبته ليقبّلها، فمنعه من ذلك، وأخذه السلطان، ومشيا معًا إلى نحو الشبّاك الذي بالدُّهيشة، فجلس السلطان، وجعل ظهره إلى الحائط والشبّاك عن يمينه، وجلس المنصور تجاهه، وتكرمة السلطان خلف المنصور، والشبّاك عن يساره. ثم أخذ السلطان في الترحيب به والأنس إليه، وتكالما ساعة، ثم أُحضرت كاملية هائلة بمقلب سمّور لائقة للملوك، ومقلبها يسحب إلى ذيلها، ومعها فَوقاني هائل بطرز زركش، فقام المنصور وتنحّى عن مكان جلوسه، وأفيض عليه ذلك. ولما تكامل إلباسه ذلك عاد إلى جهة السلطان، فقام له، فقبّل المنصور الأرض بين أيادي السلطان، فنهاه السلطان عن ذلك بعد أن تم فِعله له، ثم نزل وقد هُيئ له مركوب من خواص مراكيب السلطان، بسَرج ذهب وكنْبُوش زركش، فقُدّم إليه عند باب الساقية، فركبه ونزل إلى جهة منزل أخته الخَوَند () (٢) ابنة الظاهر وزوجة الأتابك أُزبَك، وهي في محلّ سكنها بدار أبي (٣) الخير النحاس بين السورين، هذا والأتابك غائب مع العسكر، على ما تقدّم ذلك وعرفتَه فيما مرّ. وكان لما ركب من باب الساقية اجتاز بباب الستارة قبل نزوله، فوقف رُويدًا وبعث بالسلام إلى الخَوَند زوجة السلطان، فلما عاد إليه الجواب نزل والأمراء بين يديه من مماليك أبيه وغيرهم، ومعه جماعة يسيرة من الأعيان، وهو في موكب حافل، وقعد كثير من الناس لرؤيته، وسار وهم معه، حتى أوصلوه لدار أخته المذكورة، فنزل بها عند أخته.

وعُدّ ما وقع للمنصور هذا، من خلْعه من المُلك، وسجنه بالإسكندرية، وإقامته بعد ذلك به في بعض المساكن بغير تضييق عليه، ثم حضوره إلى القاهرة


(١) العنوان من الهامش.
(٢) بياض في الأصل.
(٣) في الأصل: "أبو".

<<  <  ج: ص:  >  >>