للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وقعة المسلمين) (١)

وفيه اتفق للمسلمين محنة عظيمة بجزيرة رودس، وكان من خبر ذلك أن جماعة من العسكر الإسلامي لما أرسوا على رودس، نزلوا بكنيسة تجاه رودس، وكانت هذه الكنيسة بين العسكر الإسلامي وبين رودس وبينها وبين العسكر الإسلامي مخاضة ماء من البحر الملح، فلما نزلها الطائفة من العسكر منفردين من رفقتهم من العسكر الإسلامي، وبقي بينهما المخاضة من الماء تحيّل الكفار من أهل رودس عليهم وأعملوا فكرهم فيهم وهم في طمأنينة وقد أضاعوا الحزم لنفوذ القضاء المحتوم. وكانت الطريق من رودس إلى الكنيسة سالكة من غير مخاضة، والمخاضة إنّما هي بين الطائفة ورفقتهم النازلين بالكنيسة وبين بقيّة العسكر الإسلامي، فبيّت أهل رودس هذه الطائفة وخرجوا إليهم على حين غفلة لعلمهم بأن العسكر لا يصل إليهم إلّا بعد الفتك بهم، فما شعروا إلّا وهم معهم بالسيوف المصلتة والسلاح، وكان المسلمون في غفلة ولا سلاح معهم ولا عليهم في تلك الحالة وهم في قلّة بالنسبة إلى من حضر لهم من الفرنج فهجموا على المسلمين وحطموا عليهم حطمة واحدة، ولما وقدت العين بالعين بدر المسلمون أسلحتهم، فمنهم من وصل إلى سلاحه وتمكَّن منه وقاتل به بعد أخذه إلى أن قتل ومنهم من لم يصل إليه، وقُتل دون ذلك مع عدم استسلام وكثرة المناوشة والمهاوشة حتى قيل إن من المسلمين من قتل من الكفّار عدّة من غير سلاح لما رأيت عين الهلال، فاقتحم الأهوال، وألقى بعض المسلمين بأنفسهم إلى الماء فنجوا إلى رفقتهم وقتل من الفرنج جماعة كثيرة أيضاً قبل أن يقتلوا المسلمين، وذلك أن المسلمين الآخذين أسلحتهم هجموا بأنفسهم على الكفّار لما عاينوا الهلاك وبقوا يحرّضون (٢) بعضهم البعض وصار يقول بعضهم للبعض إن قاتلتم أم لم تقاتلوا فأنتم مقتولون بين هؤلاء فلا يمت الواحد منكم حتى يقتل منهم، وموتوا في حبّ دينكم، وشجّع بعضهم البعض، واقتحموا الأهوال لما عاينوا الموت، فما مات الواحد منهم ومعه السلاح إلّا بعد موت عدّة من العدوّ، وربّما سلم البعض بشجاعته، فجزاهم الله تعالى أحسن الجزاء، فإنهم ماتوا شهداء لما بلغ العسكر الإسلامي رفقتهم ما حلّ بأولئك من العدو، وما وقع لهم من المحنة بادروا إلى النجدة وهرعوا إلى إصحابهم فانتهوا إليهم وقد انتهى القتال قبل وصولهم، ولما عاين العسكر الإسلامي جماعة الكفر هرعوا إلى ردوس، فأسرع طائفة من أعيان الخاصكية من


(١) العنوان من الهامش.
(٢) في الأصل: "يحرضوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>