للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فنشأ عنه وقوع بصدّ السلطان عليه، نَفَر فيه ونَهَرَه وتغيّظ عليه، وشُغل المجلس به وبمثالب أُخَر ذكرها عنه، وأنه لا يقوم في الحق، إلى غير ذلك من كلماتٍ مزعجة أدّت إلى تأثّر عينيه ويديه، وكان سبباً لموته بقدرة المميت جلّ وعلا، على ما سنوضح ذلك هاهنا وننبّه عليه في ترجمة الشهاب هذا في محلّ ترجمته في السنة الآتية إن شاء اللَّه تعالى. فكان سبب تغيّظ السلطان على ابن (١) عبيد اللَّه هذا كائنة اتفقت قبل ذلك بسبب الشخص الفقير المتكّدي المسمَّى بعلي القَرْمي المعروف بابن أخي قَطْلَو خُجا الآتي الكلام عليه عن قريب وما آل أمره إليه من إثبات كُفره وزندقته، وضرْب عنقه كما سنذكره. وكان القائم بذلك الشمس محمد الكاتب الرومي، أحد أخِصّاء الظاهر وجُلَساء حضرته، والمتحشّرين عنده المشهور المعروف (٢).

[[خبر الشيخ علي القرمي]]

٣ - وكان من خبر هذا الأمر ما أخبرني به غير واحد ممّن اطّلع على جليّة هذه القضيّة، ومنهم من أثق به وبدينه وخيره، أنه كان بنواحي الصليبة رجل يقال له الشيخ علي القَرْمي كان فقيراً درويشاً تركيّاً من بلاد القَرْم ساذَجاً مجرَّداً، لا له ولا عليه غير قُبع من لبد على رأسه صفة أقباع الأدهمية، نازل على عينيه وعلى بدنه لَبّاد عتيق، وهو يتكَدّى بما يقتات به من غير زيادة على ذلك، وأكثر إقامته كانت بسوق الصليبة، فكان عفيفاً قنوعاً لا يلتفت إلى الدنيا ولابَتِها، يكتفي بأيسر الغوث، وكان عوامّ الصليبة وأقرانهم والأطراف منهم، والصغار يتسلّطون عليه على عادتهم مع الأعاجم في لمزِهم لهم بالرفْض وغيره، ظنّا منهم بأنّ الشيخ علي هذا منهم، والعوامّ لا يفرّقون بين التركيّ والفارسي، فكانوا يُكثرون عند رؤيته من قولة: "أبي بكر" ونحو ذلك من الكلمات، وربّما أفحشوا وأكثروا من سبّه، لا سيما إذا حنق منه، فكانوا إذا تسلّطوا عليه وتكاثروا يأخذ في السبّ باللسان التركي، إذ لا يعرف غيره ولا يفهم باللسان العربي إلا الشيء القليل جدّاً، فكان كلّما سبّ وأظهر الحنق زاد الغوغاء عليه على عادتهم في مثل ذلك، ونسَبَه العوامّ وأوباش السفلة إلى الرفْض، بل جزموا بذلك، فبقوا يكرّروا (٣) عليه من قوله: "أبي بكر"، وبعضهم يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه. والبعض يقول: أشهد أن


(١) في الأصل: "بن".
(٢) خبر التهنئة في: إنياء الغمر ٤/ ١٥٤، نيل الأمل ٥/ ١٢٠.
(٣) الصواب: "يكرّرون".

<<  <  ج: ص:  >  >>